يتوقى كثيرا ولا يقرب أصلا.
وقال واضع هذا الكتاب: ولقد شاهدت سمكا من هذا الجنس في ماء كان مستنقعا (1) في بركة مبنية يكون طولها ثلاث مائة ذراع في عرض مائتين أو أكثر قليلا، فأقام الماء فيها منتقعا (2) ثلاث سنين، إلا أنه يسقى منه في كل وقت، ويصب إليه ماء جديد، الحين بعد الحين، في كل ثلاثة أشهر أو أربعة مرة من عين كانت قد أجريت إليه. وكثر في تلك البركة الطين والحمأة والضفادع. فلما كان بعد ثلاث سنين أو أربعة، خرج ماؤها كله منها، ووجد فيها سمك لم يكن أحد يقدر يمسكه بيده، لأنه كان يزلق من اليد لكثرة لزوجته ولعابيته. ولم يكن يلبث أيضا إلا ساعة حتى يموت. فلما شقوا عنه وجدوا لحمه لعابيا فاسدا شديد السهوكة والزفورة لا لذاذة له ولا طعم. وكان شحم جوفه لينا رخوا غير جامد، ولونه رماديا، سهكا.
* * * وأما ما يتولد من السمك في الماء العذب وينتقل إلى المالح، أو يتولد في المالح وينتقل إلى الماء العذب، فإنه في طبيعته متوسط (3) بين طبيعة السمك الشطي وسمك الأنهار، إلا أنه يكون على ضربين: أحدهما: يكون تولده في الأنهار العظام القوية المد، الكثيرة الأمواج، النقية الماء، البعيدة من المدن، وينتقل (4). أو يكون تولده في الماء المالح وينتقل إلى أنهار عظام قوية المد والأمواج، بعيدة من المدن. والثاني: يكون تولده في أنهار لطاف قليلة المد، كريهة الماء، قريبة من المدن، وينتقل إلى الماء المالح. أو تولده في الماء المالح، وانتقل إلى أنهار عظام (5) نقية الماء، كان غذاؤه أفضل وأحمد مما كان تولده في أنهار لطاف وانتقل إلى الماء المالح، أو كان تولده في الماء المالح وانتقل إلى أنهار لطاف، وإن كان ما يتولد في الماء المالح وينتقل إلى الماء العذب، أفضل مما كان تولده في الماء العذب وينتقل إلى الماء المالح، لان ما كان تولده في الماء المالح وانتقل إلى الماء العذب، كان أقل لزوجة وسهوكة، وأقرب من طبيعة السمك الشطي، لان ابتداء كونه من الماء المالح، والماء المالح مجفف للرطوبات بالطبع. وأما ما كان تولده في الماء العذب وانتقل إلى الماء المالح، فإنه أغلظ وأكثر لزوجة لان ابتداء كونه من الماء العذب، والماء العذب مرخ مرطب.
فقد بان مما قدمنا إيضاحه أن أقل الأسماك لزوجة ورطوبة السمك البحري وبخاصة متى كان صخريا، وكان قريبا من القرار. وبعده في الفضل، السمك اللجي والسمك الشطي الذي يأوي إلى الماء الصافي النقي البعيد من مصب الأنهار. ودون البحري في الفضل، سمك الأنهار العظام الكثيرة