فما كان منه من سمك هو في جنسه أصلب لحما، كان ما قرب منه الصغر أفضل، لان رطوبة سنه تعدل صلابة لحمه. وما كان منه من سمك هو في جنسه أرخى لحما، كان ما جاوز السن المعتدل إلى الكبر قليلا، أفضل لان غلظ سنه يعدل رخاوة لحمه. وما كان منه من سمك هو في جنسه متوسطا بين الرخاوة والصلابة، كان توسط سنه أعدل وأحمد على ما بينا آنفا.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن ما كان من السمك صغيرا، كان أرخى لحما وأسرع انهضاما وأقل إضرارا بالمعدة، إلا أنه أسرع استحالة إلى الفساد. وما كان من السمك كبيرا، كان أغلظ لحما وأعسر انهضاما وأضر بالمعدة، إلا أنه لا يستحيل إلى الفساد بسرعة. وما كان من السمك متوسطا بين هاتين المرتبتين، كان أحمد لبعده من الحاشيتين، وأخذه من كل واحدة منهما الأفضل. ولذلك صار أفضل السمك وأوفقه للغذاء ما كان متوسطا بين الصلابة والرخاوة، وبخاصة متى كان من حيوان أحمد في جنسه، مثل السمك الصخري. وأما إن كان من حيوان في جنسه أصلب لحما، فإن ما قرب منه من الصغر، أفضل. وما كان من حيوان في جنسه أرخى لحما وأرطب، فإن ما جاوز الحد الأول إلى الكبر قليلا، أحمد.
وأما اختلاف غذاء السمك من قبل اختلاف أزمان السنة، فيستدل عليه من سمن السمك وهزاله. وذلك أن أعدل السمك وأفضله غذاء، ما كان متوسط السمن. لان ما كان منه سمينا جدا، كان في جوهره وخاصته ليفيا، غليظا، لزجا، عسير الانهضام، مرخ للمعدة، مفسدا (1) لها، مضرا (1) بعصبها، مولدا (1) للبلغم الغليظ اللزج المعروف بالخام. وما كان منه مهزولا جدا، كان جسمه صلبا ليفيا، بعيد الانهضام، مذموم الغذاء. فالحالتان جميعا إذا مذمومتان. ولذلك صار الأفضل أن يكون متوسطا بين الحاشيتين، ليزول عنه ما في كل واحد منهما من الفساد. وأعدل ما يكون من السمك في توسطه السمن عند ابتداء تولد البيض فيه، لان منه ما يسمن ويكثر شحمه عند امتلائه من البيض، ويهزل إذا عدم البيض، مثل السمك المعروف بفاداوس. ومنه ما يسمن ويكثر شحمه إذا نقص بيضه، ويهزل إذا امتلأ من البيض، مثل السمك المعروف بالقيفال. والنوعان (2) جميعا فأحمد أوقاتهما عند ابتداء تولد البيض فيهما، لان ما كان يسمن عند امتلائه من البيض، ويهزل عند عدمه البيض، فهو في حال امتلائه من البيض مذموم لكثرة شحمه. وفى حال عدمه البيض غير محمود لكثرة هزاله. وكذلك ما كان يسمن إذا عدم البيض مذموم لكثرة هزاله، وفى حال عدمه البيض غير محمود لكثرة شحمه.
فإذا فسدت الحالتان جميعا لم يبق إلا وقت ابتداء تولد البيض، ووقت ابتداء نقصانه. والحال في ابتداء تولد البيض أفضل من الحال في ابتداء نقصانه، لان الحرارة الغريزية عند ابتداء تولد البيض أعدل وأقوى، والطبيعة أبسط وأشد تنقصا لأنها مسدية السبب الأعظم في تولد الحيوان ومناسلته. ولذلك