ينقل من الرقة إلى الغلظ، مثل البيض المشوي واللبأ المعقود. وإما لما يحتاج إليه لان ينقل من الغلظ والمتانة إلى الليانة واللطافة، مثل اللحم المشوي وما شاكله. وإما لما يحتاج أن ينقل من العلوكة والصلابة إلى الهشاشة والرخاوة، مثل الحبوب التي تشوى وتقلى لتزول عنها رياحها وصلابتها وعلوكتها، وتكتسب رخاوة وهشاشة، وإن كان ذلك مما يفيدها، بعد انحدارها، معونة على حبس البطن، لان النار تنشف رطوبتها ودسمها وتخلخل جسمها، فتقوى بذلك على نشف رطوبة المعدة وتشد فاها الأسفل.
والنار تكون على ضربين: لان منها النار التي يخبز فيها ويشوى، ومنها النار التي يسلق بها ويطبخ. فأما نار الخبز والشي، فالأفضل فيها أن تكون لينة هادئة قد سكن لهيبها، واعتدلت حرارتها، كيلا تتمكن من ظاهر ما يخبز فيها أو يشوى فتفني رطوبته وتصيره قحلا جافا غليظا قبل كمال نضج باطنه. فإن كانت رطوبة ما يشوى غير محمودة، كان الأفضل أن نطيل لبثه في النار حتى تفني أكثر رطوبته وتقارب الجفاف. وأما نار الطبخ، فيجب أن تكون بالإضافة إلى نار الخبز، أشد حرارة وأقوى.
وذلك لما في الطبخ من رطوبة الماء المقاومة ليبس النار وجفافها، وإن كان من الواجب أن لا تكون كثيرة اللهب جدا، لكن تكون قريبا من نار الجمر، لان نار الجمر أفضل النيران المستعملة، من قبل أن قوة فعلها تنفذ في جميع أجزاء الشئ المطبوخ نفوذا متساويا، لان انبعاث الحرارة من كل أجزائها انبعاث يقرب بعضه من بعض. ولذلك صار فعلها ينفذ في جميع أجزاء الشئ المطبوخ نفوذا متساويا.
فيفعل في كل واحد منها فعله في الآخر.
وأما غيرها من النيران، مثل النار التي لها شعاع ولهب، فليس انبعاث قوتها من جميع أجزائها، انبعاثا متساويا، لان من شأن اللهيب <أن> يصعد صنوبري الشكل، فيلقى بعض أجزاء الاناء بقوة أكثر مما يلقى بها غيره، ويفعل فيه أكثر من فعله في غيره. وإذا كان كذلك، لم يمكن أن يكون نضج الكل نضجا واحدا متساويا.
وأما الماء، فاحتيج إليه في إصلاح الأغذية لجهتين: إما لما كان يابسا يحتاج أن يلين ويرطب، مثل الباقلاء المنبت وغيره من الحبوب. وأما لما كان له طعم قوي يحتاج أن ينقع في الماء حتى يزول عنه ذلك الطعم، مثل الترمس وما شاكله.
وأما الملح، فاحتيج إليه لأربع خصال: إما لما كان لزجا غليظا يحتاج إلى ما يقطع لزوجته وغلظه ويعدله، مثل السمك وغيره. وإما لما كان تفها لا طعم له يحتاج إلى ما يكسبه طعما نستلذه، مثل القرع وغيره. وإما لما كان مفرط الرطوبة يحتاج إلى ما ينشف رطوبته ويجففها ويفني أكثرها. وإما لما كان له زفورة وسهوكة يحتاج إلى ما يزيل ذلك عنه. ولذلك احتجنا في إصلاح اللحمان السمينة الكثيرة الدسم والرطوبة إلى ملح أكثر.
وأما الخل، فاحتيج إليه لخلتين: إما لما كان مغثيا مفسدا للمعدة، فيكسبه الخل تقوية وطعما