وأما العجز، فهو أكثر دسما وألذ طعما، وذلك لجهتين: إحداهما: أنه لبعده من الحرارة الغريزية وقلة ما تأخذه من دسمه، يبقى دسما لذيذا. والثانية: أن في عظامه من التخلخل والتجويف ما يحوي دسما كثيرا يفي بغذاء الحرارة الغريزية وترطيب اللحم ولذاذته. ولذلك صار الشحم يكثر فيه طبعا دائما.
وأما الأفخاذ، فقد اجتمع لها لذاذة الطعم وجودة الغذاء وسرعة الانهضام من جهتين: إحداهما:
دوام حركتها واتساع تجويف عظامها وما تحويه من كثرة الشحم. والثانية: أن لحمها عضلي (1) منسوج بعصب دقيق. وأفضل اللحمان لحم العضل وبخاصة أطرافها لدوام تعبها واجتماع العصب اللطيف فيها.
وأما الدماغ، وإن كان بالإضافة إلى دماغ المواشي، قليل المقدار جدا، فإنه ألذ طعما وأفضل غذاء وأبعد من الفساد كثيرا، من قبل أنه أقل رطوبة وأصلب، وبخاصة متى كان من حيوان بري.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن ما كان من الطير يأوي الجبال، فإن دماغه أفضل، وكذلك سائر أعضائه.
وأما الخصي، فإنه أيضا بالإضافة إلى خصى المواشي، أفضل كثيرا لأنه أحمد غذاء وأسرع انهضاما وبخاصة متى كان من حيوان مسمن بالتين اليابس واللبن، لأنه عند ذلك يولد دما كثيرا، غير أن ليس له أثر بين في إطلاق البطن ولا حبسها. وأفضلها كلها خصى الديوك، لان الديوك في مزاجها أعدل حرارة وأقرب من التوسط والاعتدال في الرطوبة واليبوسة. وهي أيضا أكثر سفادا، فهي لكثرة سفادها تكثر حركة الخصي منها، وتعبه، ويقل فضوله ويلطف. ولاعتدال حرارتها، توسطت الرطوبة واليبوسة، وكثر غذاؤها وأعانت على زيادة المني.
وأما القوانص، فإن قشرها الداخلي (2) لا يؤكل أصلا، إلا أنه إذا جفف وسحق وشرب، نفع من وجع المعدة العارض من الحرارة واليبوسة، وقوى المثانة، ومنع من درور البول، وبخاصة متى كان من قوانص الدجاج والديوك، لأنها أخص بذلك من جميع الطير لاعتدال مزاجها وفضل تقويتها. وأما لحم القوانص، فبطئ الانهضام قليلا، إلا أنه إذا انهضم غذى غذاء كثيرا محمودا. ومن القوانص ما هو لذيذ (3) جدا، مثل قوانص الإوز وبعدها قوانص الدجاج، وبخاصة إذ خلط في علفها التين اليابس المدقوق وعجن باللبن الحليب.
وأما الكبود، فهي من كل حيوان مذمومة جدا، لأنها غليظة بطيئة الانهضام. وأفضل الكبود كبود الدجاج والإوز، لأنها غير عسيرة الانحدار، وكذلك حالها في الانهضام أيضا.