الجوهرية أقل من رطوبة الحيوان الصغير كثيرا. ولذلك صار فعله في بقاء الصحة وثباتها، وقوة الأعضاء وشدتها فعلا متكافئا.
وعلى هذا الوزن والقياس يقال: أن البيض متى كان من حيوان أعبل وأكثر شحما أو حيوان له ذكر، كان أفضل وأحمد مما كان من حيوان أهزل وأقل شحما، أو حيوان ليس له ذكر من قبل أن الحرارة الغريزية، فيما كان من الحيوان أسمن، أقوى، ورطوبته الطبيعية أكثر. والحيوان المهزول بخلاف ذلك وضده، لان حرارته الغريزية أضعف، ورطوبته الطبيعية أقل. وكذلك الحرارة الغريزية فيما كان من الحيوان له ذكر، أقوى، وفيما كان من الحيوان ليس له ذكر، أضعف.
وعلى مثال ذلك أيضا، يقال في البيض: أنه متى كان طريا قريب العهد بالحيوان، كان أفضل وأبعد من الزهومة. ومتى كان عتيقا بعيد العهد بالحيوان، كان أردأ وأخص بالزهومة. من قبل أن بعده من الحيوان يدل على ضعف حرارته الغريزية. وضعف حرارته الغريزية يوجب كثرة فضوله وزفورته.
ولجالينوس في مثل ذلك فصل قال فيه: أن بيص الدجاج، وبعده بيض الدراج، أحمد البيض وأعدله في فضل غذائه وجودة استمرائه، وبخاصة إن كان من حيوان له ذكر، وكان مع ذلك غذاء الحيوان لطيفا نقيا. وبيض الفتي من الحيوان أفضل من بيض الهرم، وبيض ما كان له ذكر أفضل مما ليس له ذكر.
وبيض ما كان من الحيوان سمينا أفضل مما كان مهزولا. والبيض القريب العهد بالحيوان أفضل من البعيد العهد بالحيوان.
وأما اختلاف البيض من قبل صنعته وعمله، فيكون على أربعة ضروب: وذلك من البيض ما يتخذ مشويا. ومنه ما يتخذ مسلوقا. ومنه ما يتخذ مطبوخا. فأما المشوي فهو في الجملة أغلظ من المسلوق وأعسر انهضاما، ذلك لتمكن حرارة النار من جسمه ونشفها لأكثر رطوبته الجوهرية. ولذلك صار بالإضافة إلى المسلوق أكثر تجفيفا وأقل تسكينا لحدة الحرارة، إلا أنه ينقسم قسمين: لان منه ما يدفن في الرماد الحار ويشوى بقشره. ومنه ما يفقس على طابق ويحمل على النار حتى يشتوي. فما كان منه مفقوسا على طابق كان أذم وأردأ لان حرارة الطابق تباشر بعض أجزائه وتفني رطوبتها وتجففها وتخرجها من حد الغذاء قبل أن يستتم فعلها في سائر أجزائه.
وأما ما كان منه مدفونا في الرماد، فهو بالإضافة إلى ما تقدم ذكره، أفضل لان النار لا تباشر بعض أجزائه مباشرة تمكن معها أن تجفف رطوبته وتخرجه من حد ما يغتذى به قبل أن يستتم فعلها في كل أجزائه. إلا أنه أيضا يكون على ضربين: لان منه ما يدفن كله في الرماد حتى يشتوي. ومنه ما يحمل على الجمر. فما كان منه مدفونا في رماد، كان أذم لان حرارة النار تكتنفه من جميع نواحيه وتمنع بخاره من التحلل، فتجتمع فيه بخارات مذمومة. وما كان محمولا على جمر، فإن البخارات تتحلل من الاجزاء البعيدة من النار.
وأما المسلوق بالماء، فهو في جملته ألطف وأفضل من المشوي، من قبل أن رطوبة الماء تحول