بين النار وبين نشف رطوبته الجوهرية. ولذلك صار أقل تجفيفا وأكثر تسكينا لحدة الحرارة، إلا أنه أيضا يكون على ضربين: وذلك أن منه ما يسلق بقشره. ومنه ما يفقس في الماء الحار حتى ينسلق. فما كان منه مسلوقا بقشره كان أذم لان القشر يحقن في باطنه بخارات غليظة ويمنعها من التحلل. ولذلك صار كثيرا ما يحدث من الاكثار منه رياح نافخة وثفل في المعدة وسائر البطن. وأما المفقوس في حرارة الماء، فإن حرارة الماء بلطافتها تغوص في باطنه وتلطف غلظه وتزيل أكثر زهومته وزفورته. ولذلك صار هذا النوع من صنعة البيض أفضل وأحمد كثيرا، إلا أنه متى استعمل محه فقط كان تجفيفه أكثر وتغذيته أقل. ومتى استعمل مع بياضه، كان تغذيته أكثر وتجفيفه أقل.
وقد ينقسم كل واحد من أنواع المشوي والمسلوق على ضروب ثلاثة: وذلك أن منه ما يبالغ في إنضاجه حتى ينعقد ويصلب. وهذا الضرب منه هو المسمى المشوي أو المسلوق على الحقيقة. ومنه ما لا تفعل النار فيه إلا إسخانه فقط وأزيد قليلا. وهذا الضرب منه هو المسمى الحسو (1). ومنه المعتدل النضج وهو المتوسط بين الصلابة والرخاوة. وهذا الضرب منه هو المعروف بالنيمبرشت. فما كان من البيض انعقاده شديدا، كان تجفيفه أكثر وانحداره عن المعدة أبعد، ونفوذه في العروق أعسر، إلا أن انحلاله من الأعضاء يكون أبعد. ولذلك صار ثقيلا في المعدة والمعاء، ولا تقتات الأعضاء منه إلا قوتا يسيرا غليظا، وبخاصة متى كان مشويا، إلا أنه إذا انهضم في الأعضاء قواها قوة بينة. وما كان من البيض انعقاده يسيرا كان تجفيفه أقل وانهضامه أسرع ونفوذه في العروق أسهل وتليينه للصدر أكثر، إلا أن تقويته للأعضاء يكون أقل، ذلك للطافته وسرعة انحلاله منها. وما كان من البيض انعقاده معتدلا متوسطا بين الرخاوة والصلابة، كان في فعله وانفعاله أيضا متوسطا بين ما كان انعقاده شديدا، وما كان انعقاده يسيرا. ولذلك صار أعدل وأفضل وألذ عند الطباع، من أجل أنه بالإضافة إلى ما كان انعقاده يسيرا، أقل زهومة وزفورة وألذ عند الطبيعة، لان قوة فعل النار فيه قد لطفته وأزالت أكثر زهومته. ولذلك صار بالإضافة إلى ما كان انعقاده شديدا ألطف وأفضل وأسرع انهضاما وأسهل نفوذا في العروق وأقرب إلى الانقلاب إلى الدم، وبخاصة متى كان مفقوسا في الماء الحار.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن ما كان من البيض شديد الانعقاد، كان مذموما لأنه أثقل في المعدة وأعسر انهضاما وأبطأ نفوذا في العروق. وما ينال البدن من غذائه فغليظ، إلا أنه قوي بعيد الانحلال من الأعضاء. ولذلك صار متى انهضم قوى الأعضاء قوة بينة.
وأما البيض النيمبرشت المتوسط الانعقاد، ففيه رقة ولطافة يسرع بها انحداره عن المعدة ويسهل نفوذه في العروق وجولانه في البدن. ولذلك صار أحمد وأفضل في سرعة الانهضام والنفوذ في العروق وأقرب من الانقلاب إلى الدم والتشبه بالأعضاء، ذلك لسرعة انقياده لفعل الطبيعة وبخاصة متى كان مفقوسا في الماء، لأنه متى كان كذلك، عدم أكثر زهومته وزفورته. ومن خاصته أنه ملين لخشونة