اللذع العارض في المعدة والمعاء إذا احتقن به.
وما كان منه من حيوان أصغر سنا، كان أرطب. وما كان من حيوان أكبر سنا، كان أيبس. وما كان منه طريا قريب العهد بالحيوان، كانت حرارته أقل وترطيبه أكثر. وما كان منه عتيقا بعيد العهد بالحيوان، كان إسخانه أكثر، وترطيبه أقل.
وأما اختلاف غذاء الطير على حسب اختلاف أعضائه فيكون على ضروب: وذلك أن من أعضاء الطير ما هو دائم الحركة لطبيعته وذاته، مثل الأجنحة وبعدها الأعناق والأرجل. ومنها الدائمة السكون العديمة الحركة، مثل البطن وما يحويه. ومنها المتوسط الحركة، وهي التي وإن كانت متحركة، فحركتها لغيرها لا لذاتها، مثل اللحم المجاور للأكتاف وعظم الصلب والأضلاع. ومنها القريب من ينبوع الحرارة الغريزية، مثل الصدر وما جاوره. ومنها البعيد من ينبوع الحرارة الغريزية، مثل الاعجاز والأفخاذ.
وما كان منها دائم الحركة لذاته وعينه، مثل الأجنحة والأعناق والأرجل، كان ألين الأعضاء وأسرعها انهضاما وألذها طعما لما بيناه مرارا من فعل الحركة في الأعضاء. وألذ الأجنحة وأفضلها غذاء أجنحة الدجاج وبعدها أجنحة الإوز. وأما ما سوى ذلك من الطير، فإن أجنحتها، وإن كانت لطيفة الغذاء، فإنها لا تكاد أن تؤكل، لا تقوت البدن أصلا. وأما اللحم المجاور للأكتاف والصلب والأضلاع، فإن ما يجاوره من العظام المحركة له، ترض لحمه وتكسره وترخيه وتنفي فضوله وتفيده لذة وطيب طعم وحسن غذاء.
وأما الصدر، فإن لحمه وإن كان فاضلا لقربه من ينبوع الحرارة الغريزية، فإن لذاذته قليلة لأنه ليفي (1) قليل الدسم من قبل أن الحرارة الغريزية لقربها منه، تفني أكثر دسمه (1) في غذائها، ولذلك يقل دسمه ولذاذته.
فإن عارضنا معترض وقال: لم صار لحم الأضلاع وما يلي أصول الأجنحة أيضا ليفيا قليل الدسم واللذاذة وقربه من الحرارة الغريزية لقرب لحم الصدر منها؟.
قلنا له: إن لحم عظام الأضلاع وأصول الأجنحة، فالذي عليها من اللحم يسير جدا، وفيها من التجويف ما يحوي من الدسم ما يفي بغذاء الحرارة الغريزية وبترطيب اللحم وتدسيمه. وأما عظم الصدر فرقيق صفائحي ليس له تجويف أصلا ولا يحوي من الدسم شيئا. وإذا لم تجد الحرارة الغريزية فيه من الدسم ما يفي بغذائها، رجعت إلى دسم اللحم الذي عليه، فأخذته بغذائها وبقي اللحم ليفيا قليل الدسم واللذاذة، إلا أنه في جودة غذائه، محمود جدا لمجاورته الحرارة الغريزية وتلطيفها له وإنقائها الفضول عنه.