حتى تتمكن الحرارة الغريزية منها، فيكمل نضجها ويجود هضمها. ولذلك لا يتعذر على الانسان أن يتناول منها المقدار الزائد على شبعه قليلا.
والثانية: أن ليس فيها من الدهنية ما يزلق المعدة والمعاء وينحدر عنها قبل نفوذها في العروق.
لكنها، للطافة غذائها وخفة حملها على الطبيعة، تلبث في المعدة والمعاء مدة يمكن فيها أن تجذب قوة الكبد منها مقدار حاجة الطبيعة إليه على الكمال. ولهذه الجهة، صارت أسرع الأعضاء انهضاما وأسهلها نفوذا في العروق، وأوصلها إلى أقطار الأبدان، وأقربها استحالة إلى الدم المعتدل، وأكثرها تشبها بالأعضاء. ومن قبل ذلك صارت موافقة لحفظ الصحة وقوة الأعضاء معا.
وأما الشبيه باللحم، فهو أقل دما وأرخى جسما من اللحم الخالص الصحيح من قبل أن دمه قد انطبخ طبخا ثانيا، واكتسب هشاشة ولذاذة. ولذلك صار في طبيعته وذاته متوسطا بين جوهر اللحم وجوهر الشحم، فهو لذلك أقل دما من اللحم وأكثر منه رطوبة ولزوجة، وأكثر دما من الشحم وأقل منه رطوبة ولزوجة. ولهذا صار لونه متوسطا بين لون الشحم ولون اللحم، وأقرب إلى لون الشحم قليلا.
ومن قبل ذلك، صار بالإضافة إلى الشحم، ألطف وأعدل، وأسرع انهضاما. وبالإضافة إلى اللحم، أغلظ وأكثر لزوجة وأبعد انهضاما. ومن أجل ذلك صار الغذاء المتولد عنه أيضا متوسطا بين غذاء اللحم وغذاء الشحم، لأنه بالإضافة إلى الشحم، أكثر غذاء وأسرع انهضاما، إلا أنه ينقسم قسمين: وذلك أن منه شيئا أعدته الطبيعة لتوليد رطوبات فيها لتمام النسل مثل الضرع للبن، والخصي للمني. ومنه شئ أعدته لتوليد رطوبات ترطب بها ما حولها من الأعضاء بالطبع مثل النغانغ واللحم الرخو الذي في أصل اللسان، والذي بالقرب من الوريد المعروف بالحلبلوب، وغدد المعاء المسماة الدوارة، لان هذه المواضع لما كانت قليلة اللحم احتاجت الطبيعة إلى إعداد أعضاء بالقرب منها لتعد لها فيها الرطوبات التي بها تغذيتها وتربيتها.
* * * وأما اختلاف الأعضاء من قبل حركاتها وسكونها بدءا على ضربين: وذلك أن من الأعضاء ما هو دائم السكون مثل البطن وما يليه. ومنها ما هو دائم الحركة، وهو على ضربين: إما أن تكون حركته طبيعية وإما عرضية. فأما الطبيعية فهي التي يحركها العضو بذاته ونفسه، لا من أجل عضو آخر غيره، مثل حركة الشفتين والأذنين والقوائم. وأما العرضية فهي التي يتحرك بها العضو بمشاركته عضوا آخر غيره، لا من أجل نفسه، مثل حركة اللحم المجاور للرقبة وعظم الصلب وصندوق الصدر، فإن اللحم المجاور للرقبة والصلب يتحرك بحركة خرز الرقبة وخرز الصلب والأضلاع والمجاور لصندوق الصدر يتحرك بحركة الصوت والتنفس معا.
فقد بان من قوة كلامنا: أن من الأعضاء ما هو دائم السكون مثل البطن وما يحويه. ومنها ما هو دائم الحركة لذاته وعينه مثل الشفتين والأذنين والأكارع. ومنها ما هو متوسط بين الحركة والسكون وهو