وغذاء للحيوان المشاء المناسب في طبيعته للحيوان الطيار. ولذلك شبهه الفاضل أبقراط بالمني واللبن جميعا اللذين (١) هما مادة وغذاء للحيوان المشاء المناسب في طبيعته للحيوان الطيار. ولذلك قال: إن البيض لما كان مادة وغذاء للحيوان الطيار المناسب لمزاج بدن الانسان، كان من الواجب أن يكون الغذاء المتولد عنه كثيرا قويا. أما كثرته، فلان جوهره يستحيل دما ويتشبه بجوهر المغتذى به بسرعة، وذلك لمناسبته مزاج بدن الانسان وقربه منه. وأما تقويته للأعضاء، فإن الحرارة الغريزية كلما ازدادت فيه فعلا وتأثيرا، ازداد هو أيضا قوة صلابة. وذلك مقاس من الشاهد، لأنا نجده خارجا كلما ازداد فعل الناس فيه تأثيرا، ازداد صلابة وجفافا. ففي هذا دليل واضح على أن كلما ازداد فعل الحرارة الغريزية فيه باطنا، ازداد صلابة ويبسا، فهو إذا بعيد الانحلال من الأعضاء، زائد (٢) في قوتها، إلا أنه يختلف في جودة غذائه ورداءته وسرعة انهضامه وإبطائه لأسباب خمسة: أحدها: جنس الحيوان الذي يتولد منه وجوهريته. والثاني: سن الحيوان ومدة زمانه. والثالث: خصب بدنه وهزاله. والرابع: طراء البيض وقربه من الخروج من الحيوان، أو قدمه وبعده من الحيوان. والخامس: صنعة البيض وعمله الذي يتخذ به.
فأما اختلاف البيض من قبل جنس الحيوان الذي هو منه وجوهره فيكون على ضروب: وذلك أنه متى كان من حيوان ألطف طبعا وأعدل مزاجا وأحمد غذاء، مثل الدراج والدجاج، كان غذاؤه أفضل وانهضامه أسرع وزهومته أقل، وبخاصة متى كان من حيوان فتي أو حيوان له ذكر. إلا أن انحلال ما كان من هذا الجنس من الحيوان من الأعضاء أسرع. ولذلك صار غذاؤه لبقاء الصحة وثباتها أفضل منه في قوة الأعضاء وشدتها. وما كان منه من حيوان أغلظ طبعا وأفسد مزاجا وأردأ غذاء، مثل النعام ودونه في ذلك الإوز، كان غذاؤه أذم وانهضامه أعسر وزهومته أكثر، وبخاصة متى كان من حيوان هرم أو حيوان ليس له ذكر إلا <أن> انحلال ما كان منه من هذا الجنس من الحيوان من الأعضاء أبعد. ولذلك صار غذاؤه لقوة الأعضاء وشدتها أفضل منه في بقاء الصحة وثباتها.
وأما اختلاف البيض من قبل سن الحيوان، فيكون على ثلاثة ضروب: وذلك أن منه ما يكون من حيوان صغير. ومنه ما يكون من حيوان هرم. ومنه ما يكون من حيوان فتي. وألطف البيض ما كان من حيوان صغير، وأغلظه ما كان من حيوان هرم، لان ما كان من حيوان صغير، كان أسرع انهضاما وأقل زهومة وأحمد غذاء، وبخاصة متى كان من حيوان له ذكر. وما كان من حيوان هرم، كان أعسر انهضاما وأكثر زهومة وأردأ غذاء، وبخاصة متى كان من حيوان ليس له ذكر. ذلك لضعف حرارته الغريزية وقلة رطوبته الجوهرية. وأعدل البيض وأكثره توسطا بين اللطافة والغلظ، ما كان من حيوان فتي، لأنه أخذ من كل واحد من الحاشيتين بقسطه. ولذلك صار ألطف من بيض الحيوان الهرم، وأغلظ من <بيض> الحيوان الصغير. من قبل أنه وإن كانت حرارته الغريزية على غاية ما تكون من القوة، فإن رطوبته