لان الأجنحة في نفسها عصبية صلبة ليفية اللحم، لان الطبيعة احتاجت أن تكون كذلك، لتثبت على دوام الحركة وصعوبتها. غير أنها لدوام حركتها وتعبها دائما، استرخى لحمها ولان واكتسبت لطافة ولذاذة وسرعة انهضام. فهي بالإضافة إلى ذاتها، قريبة من طبيعة لحم الكراكي والطواويس في غلظه وبعد انهضامه. وبالإضافة إلى دوام تعبها وحركتها، قريبة من طبيعة أطراف العضل في لطافتها وسرعة انهضامها.
وأما اختلاف غذاء الطير من قبل سمنه وهزاله، فإن ما كان من الطير أرطب مزاجا في طبيعته وذاته، كان مهزوله أحمد من سمينه، لان يبس الهزال يزيل عنه أكثر رطوبته ويعدل مزاجه، وزيادة الشحم تزيد في رطوبته وغلظه وبخاصة متى كان هرما أو صغيرا جدا. وما كان من الطير أيبس مزاجا بالطبع، كان سمينه أفضل من مهزوله وبخاصة متى كان فتيا، لان رطوبة الشحم تزيل عنه أكثر يبسه وتصلح مزاجه.
وقد يختلف الطير في سمنه وجودة غذائه على حسب أزمان السنة، وذلك أن من الطير ما يسمن ويجود غذاؤه في الشتاء وبعده الربيع، مثل التدرج والشحرور والفواخت. ومنه ما يسمن ويجود غذاؤه في الخريف وبعده الصيف، مثل الدراج والطير المسمى أسود الرأس والسمان والشفنين.
وأما اختلاف غذاء الطير على حسب اختلاف أعضائه، فيكون على وجوه ثلاثة: أحدها: من تركيبها وتأليفها. والثاني: من حركتها وسكونها. والثالث: من مواضعها وأماكنها. وأما تركيب الأعضاء فقد بينا أنها تكون على ثلاثة ضروب، لان منها عصبي مثل الجلد والمعاء، ومنها لين رخو مثل الشحم والدماغ، ومنها معتدل مثل العضل واللحم الأحمر المعرى من الشحم. فما كان منها عصبيا كان قليل الغذاء بطئ الانهضام وبخاصة متى كان من حيوان مهزول أو حيوان يابس بالطبع، مثل الشفنين والحجل والورشان. وما كان من حيوان مخصب سمين أو حيوان رطب المزاج بالطبع مثل البط والفراخ الحمام، فإنه إذا انهضم غذى غذاء كثيرا عسير الانحلال من الأعضاء.
فأما ما كان من الأعضاء تركيبه لينا رخوا مثل الشحم والدماغ، فإن الغالب على مزاجه الحرارة والرطوبة، إلا أن رطوبته أغلب قليلا وبخاصة متى كان من حيوان أرطب بالطبع. ولذلك صار قليل الغذاء مذموما للأسباب التي بيناها فيه عند كلامنا في ذكر شحوم الحيوان المشاء. وقد يختلف شحم الطير على حسب اختلاف مزاج الحيوان الذي هو منه، وسنه، وطراء الشحم وقدمه، وذلك أن ما كان من حيوان أسخن، كان مزاجه أحر وأكثر تحليلا للأورام. وما كان من حيوان أبرد، كانت (1) حرارته أقل وكان في ذاته أعدل. وما كان منه من حيوان أيبس بالطبع، كان أقل ترطيبا وتليينا. وما كان من حيوان أرطب، كان أكثر ترطيبا وتليينا وتسكينا للحدة العارضة في الأعضاء. ولذلك صار شحم الإوز نافعا من