مجففة ولا ميبسة، وفى لحمها من الرخاوة واللين ما يعين على سرعة انهضامها وانحدارها، كان ذلك أعظم الأسباب على معونتها على إطلاق البطن، وبخاصة إذا كان في علفها التين اليابس المدقوق. وقال في فصل آخر: أنه قد يخلط في علف الديوك والإوز التين اليابس المدقوق، فيكسبها ذلك لذاذة وطيب طعم. وليس إنما يفعل بها هذا الفعل فقط، لكنه قد يفيدها مع ذلك سرعة انحدار وجودة استمراء.
وأما ما كان من الطير الغالب على مزاجه الحرارة واليبوسة فليس يجب الادمان عليه أصلا وبخاصة العصافير منها والجراد، لان من خاصتها في ابتداء أمرها أن تحمى المزاج وتنتقل إلى الدخانية وحبس المرار ثم تنشف بعد ذلك رطوبة الدم رويدا رويدا وتحرقه وتصيره حريفا سوداويا، وإن كان الجراد أخص بالفساد من العصافير جدا. ومع ما أن العصافير أقل ضررا من الجراد كثيرا، فقد يجب أن نحذر منها ما كان مهزولا وبخاصة متى كان بريا، كيلا يجفف الثفل وبخاصة حرارته ويبسها، ويحبس الطبيعة فتتضاعف بليتها. ولذلك وجب أن لا نقرب منها إلا ما كان مسمنا في المنازل والبيوت لتقل حركته ويلطف هواؤه ويستفيد من ذلك رطوبة وبرودة ويقمع بهما حدة حرارته ويزول عنه أكثر يبسه وجفافه، ويكتسب لحمه رطوبة وليانة. وأما القنابر فلأنها ألطف وأقل حرارة ويبوسة من العصافير كثيرا، صارت إذا طبخت أسفيذباج ساذج كانت مرقتها خاصة على طريق الدواء نافعة من القولنج العارض من البلغم. ولذلك وجب لأصحاب هذه العلة أن يستعملوا (1) مرقتها مفردة دون لحمها. فإن دعتهم الشهوة إلى شئ من لحمها، فليستعملوه (2) مع كثير من مرقته ويحذروه (3) مفردا لان من شأنه تجفيف الثفل وحبس البطن (4).
وأما ما كان من الطير الغالب على مزاجه اليبوسة، ولم يكن فيه حرارة قوية مثل الفتي من الشفنين والفتي من الديوك والفواخت والورشان والدراج والحجل والطواويس والطيهوج والقطا، وجميع ما يأوي في الآجام، فإن لحمه عصبي صلب (5) بطئ الانهضام حابس للبطن، إلا إذا انهضم، نال البدن منه غذاء صالحا معتدل المزاج بعيد الانحلال من الأعضاء. ولذلك وجب أن تستعمل الحيلة فيما يلين لحمه ويعين على سرعة انهضامه، وذلك لشيئين: أحدهما: ألا يستعمل منه ما جاوز السنة ويحمل على نار جمر ويصير عليه أبدا حتى يسترخي لحمه ويلين ويرطب. والسبب الثاني: أن لا يستعمل منه ما كان قريبا من الذبح، ولكن بعد ذبحه بيوم وليلة لتتمكن منه حرارة الهواء بزوال حرارته الغريزية فيحدث في رطوبة لحمه غليانا وذوبانا ويتحلل منها مقدار ما يرخى لحمه ويلينه. وقد يستدل على ذلك من الشاهد، وذلك أن اللحم إذا لبث بعد ذبح الحيوان يوما واحدا من أيام الصيف، لان وظهر لنا استرخاؤه حسا.
ولذلك صار هذا النوع من الصنعة أحمد لسرعة الانهضام فقط، لا لجودة الدم المتولد عنه، لان دمه في