لحاجتها إلى الغذاء، وإذا استلبتها إليها انتشرت في اللحم وذابت بحرارة اللحم الغريزية وصارت دسما سيالا سمينا. ولذلك صار كل حيوان في طبيعته رطبا أكثر شحما وأقل دسما. ولهذه الجهة صار الشحم في بعض الحيوانات أكثر وأغزر لزيادة الرطوبة على مزاجها بالطبع. والدسم في البقر أكثر وأغزر لغلبة اليبوسة على مزاجه بالطبع.
فقد بان مما ذكرنا أن الدسم أسخن وألين من الشحم، ذلك لما فيه من زيادة الحرارة الغريزية المكتسبة من حرارة اللحم المجاورة له. وأما الشحم فإنه أبرد وأغلظ وأقل رطوبة من الدسم كثيرا، ذلك لبعده من حرارة اللحم ورطوبته وإن كانا جميعا في الجملة، أعني الشحم والدسم، قليلي الغذاء مذمومين. ولذلك وجب ألا يستعمل على سبيل الغذاء، لكن لتطييب اللحم فقط، من قبل أن كل واحد منهما في ابتداء امره، يربو في المعدة ويملأ جرمها ويشبع بسرعة ويفسد ما يوافي في المعدة من الطعام، لأنه بدهنيته يطفو على الطعام ويعود عليه. فإذا اختلط به أكسبه لزوجة وغلظا ومنعه من الانهضام، ولبث في المعدة زمانا حتى تستغنى به عن استئناف غذاء ثان (1). فإذا صار الطعام إلى الهضم كان من خاصته أنه يلين خشونة المعدة ويزلق ما فيها ويجذبه بسرعة، ويحول بين لطيف الطعام وبين النفوذ في عروق الماساريقا التي ينفذ فيها لطيف الغذاء ومصايته إلى الكبد، ولا يصل إلى الأعضاء من غذائه الا مقدار يسير مذموم لأنه يولد سددا وينقلب إلى الخام الغليظ أو إلى البلغم الرقيق بسرعة على حسب طبيعته في ذاته لأنه ان كان غليظا جامدا (2) مثل شحم الكلى والثرب، كان ما يتولد منه بالخام الغليظ أشبه، أو إليه أقرب. فان كان دهنيا سيالا مثل الدسم الكائن في تخلخل اللحم، كان ما يتولد عنه بالبلغم الرقيق أشبه واليه أقرب.
ولروفس في هذا فصل قال فيه: إن الأعضاء لا تنال من الشحم والدسم من الغذاء حسب ما يمليان المعدة ويشبعان. أراد بذلك أن الشبع يقع منهما أكثر من تغذيتهما للأعضاء، لان كل واحد منهما يربو في المعدة ويملأ جرمها ويشبع بسرعة. فإذا أخذ في الهضم، انحدر عن المعدة والمعاء قبل نفوذه في العروق. ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن ما كان من الأعضاء السمن فيه أكثر، فالشبع من يقع أزيد وانحداره أسرع. وما كان من الأعضاء السمن فيه أقل، فالشبع منه يقع أهضم وانحداره عن المعدة أبعد (3).