انحلالها، يقل لبثها في الأعضاء. ولذلك صارت لا تفيد الأعضاء قوة حسنة. ولهذا ما صار فعلها في بقاء الصحة ودوامها، أفضل من فعلها في قوة الأعضاء وشدتها. وأحمد ما يكون هذا الضرب من الطير، حين يبتدئ بالصياح لان في ذلك الوقت تقوى حرارتها الغريزية، وتقل فضول بدنها، وبخاصة متى كانت ذكرانا. ومن خاصتها أنها إذا استعملت زيرباج (١) سكنت اللهب العارض في المعدة.
ولديسقريدس فيها قول قال فيه: إن الدراج والفراريج إذا استعملت أسفيذباج، أسهلت البطن وعدلت المزاج.
قال إسحاق بن سليمان: لعمري متى استعملت أسفيذباج كانت أفضل في المعونة على إطلاق البطن، وأما في تسكين الحرارة واعتدال المزاج، فالزيرباج أخص بذلك كثيرا. وأما الدجاج، فلأنها أقل رطوبة وأكثر يبوسة من الفراريج بالطبع، صار فعلها مخالفا لفعل الفراريج، لان الفراريج من شأنها أن تلين البطن، والدجاج من شأنها <أن> تجمع الثفل وتعقل البطن. وأما الديوك، فإن حرارتها أشد وأقوى من حرارة الدجاج والفراريج، اكتسب لحمها ملوحة لطيفة قوي بها على الانحدار بسرعة وبخاصة متى كان من ديوك هرمة قد طعنت في السن، لان الهرم من كل حيوان أرخى لحما وألين بالطبع. فإذا اجتمع للديوك رخاوة لحم الهرم ولينه مع ملوحة لطيفة، قربت من الأشياء المعينة على إطلاق البطن.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن الديوك الهرمة الطاعنة في السن متى استعملت بالملح والشبت (2) والكمون وورق اللبلاب وأصل الكراث النبطي وورقه ولب القرطم (3)، أحدرت فضولا بلغمانية ونفعت من القولنج ووجع المعدة العارضين من الرياح الغليظة والرطوبات البلغمانية وسكنت الربو والرعشة ووجع المفاصل.
فإن عارضنا معترض وقال: فلم لا كانت هذه الخاصة للفتى من الديوك؟ وهو أكثر حرارة بالطبع، وما كانت حرارته أكثر كانت ملوحته أقوى.
قلنا له: إن ذلك امتنع من الفتي من الديوك لجهتين: إحداهما: أن حرارته أقوى وملوحته أشد.
فلما اشتدت ملوحته، خففت الثفل أكثر من المقدار، ومنعت من الانحدار. والثانية: أن لحمه أصلب وأبطأ انهضاما. فلما اجتمع فيه تخفيف الملوحة وعسر انهضامه، زالت عنه الخاصة التي كانت له. وأما الهرم، فلما كانت ملوحته ألطف ولحمه ألين وأرخى، سهل انهضامه وانحدر بسرعة وبخاصة متى صير له مع علفه التين المدقوق واللبن. فإن ذلك مما يسهل انحداره عن المعدة والمعاء ويجيد هضمه ويكسبه لذاذة وطيب طعم.
ولجالينوس في هذا، مثل ذلك، فصل قال فيه: أما الديوك الهرمة، فلان ملوحتها لطيفة غير