الأيمن مجاور لينبوع القوى الطبيعية وحرارة الكبد والمرار، فتلطف فضوله وتتحلل دائما. وما يلي الجانب الأيسر فمجاور للطحال، وغلظ المرار السوداء وبردها، فتغلظ فضوله وتمتنع من التحلل.
ولذلك ما يلي مقدم البدن وصندوق الصدر أفضل مما يلي مؤخر البدن وعجزه، وذلك لجهات ثلاث:
إحداها: أن ما يلي مقدم البدن يغتذي بدم قد وصل إلى القلب وانهضم فيه وبعد انهضامه في الكبد انهضاما ثانيا، من قبل أن أعضاء الصدر إنما تغتذي بفضلة غذاء القلب، والقلب فليس يقبل من الكبد إلا أفضل الدم وأحمده. فإذا وصل إليه، هضمه ثانية وأخذ غذاءه من أحمد ما فيه مما شاكل جوهره وطبيعته، ودفع فضله ذلك إلى أعضاء الصدر ومقدم البدن. ولذلك صار غذاء الصدر وما يليه أفضل وأحمد من غذاء غيرها من الأعضاء.
والثانية: أن صندوق الصدر دائم الحركة بالتنفس والصوت جميعا. ولذلك تنحل فضوله ويرطب لحمه ويعذب ويحسن انهضامه.
والثالثة: أن صندوق الصدر ما كان يحوي القلب، والقلب ينبوع الحرارة الغريزية، والحرارة الغريزية ممرها بصندوق الصدر دائما في صعودها من القلب إلى الرأس. ولذلك لطف غذاؤه وقلت فضوله وعذب لحمه واستفاد لذاذة ولطافة ليست (1) هي لغيره من اللحمان.
وأما ما يلي مؤخر البدن فهو، بالإضافة إلى ما يلي مقدم البدن، مذموم من جهتين: إحداهما:
أنه إنما يغتذي بدم لم يصل إلى القلب ولم يتم هضمه فيهضم (2) فيه ثانية. والأخرى: بعده من ينبوع الحرارة الغريزية وضعف فعلها فيه. ولذلك غلظ لحمه وعسر انهضامه وقلت عذوبته ولذاذته.
وأما ما كان من الأعضاء متوسطا (3) بين هاتين المرتبتين، فحاله أيضا في جودة غذائه ورداءته وسرعة انهضامه وإبطائه، حال متوسطة. إلا أن قربها من طبيعة الأعضاء التي تلي مؤخر البدن أكثر من قربها من طبيعة الأعضاء التي تلي مقدم البدن، من قبل أنها وإن كانت قريبة من ينبوع الحرارة الغريزية ومجاورة له، فإن الدم الذي تغتذي به دم لم يصل إلى القلب، ولم تنهضم فيه ثانية، ولا هي أيضا في طريق الحرارة الغريزية الصاعدة من القلب إلى الدماغ فتلطف فضولها وترق وتخرج بمرور الحرارة الغريزية بها.