منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٧ - الصفحة ٣٦٠
ولا أقل من ارتفاع التنافي فيها.
وثالثا: انه لا عقد سلبي للروايات المزبورة مطلقا، لأنها في مقام بيان ان عدم الضمان ينتفى في هذه الموارد، لا انها في مقام نفى الضمان مطلقا وثبوته هنا، فلا دلالة لها على الحصر حينئذ، ومقتضى ذلك ثبوت الضمان في جميع هذه المذكورات لعدم التنافي.
ولو سلم التنافي بملاحظة وجود العقد السلبي وغض النظر عما ذكرناه، فيقع التعارض بين العقد السلبي لكل منها والعقد الايجابي للاخر، لكن روايات الدرهم والدينار تقيد إحداهما الأخرى.
واما النسبة بينها وبين روايات الذهب والفضة، فهي العموم من وجه.
وقد يقال: بتقديم العقد السلبي، لان دلالته بالعموم والعقد الايجابي دلالته بالاطلاق. ولكن لو سلم كبرى هذا المطلب فهي هنا غير مسلمة، لان تقديم العام ههنا يقتضى القاء المطلق بالمرة أو تخصيصه بالفرد النادر جدا وهو مستهجن. هذا مع عدم العموم لتقييد كل منهما بالاخر في الدينار والدرهم، مما يكشف عن عدم إرادة العموم قطعا.
ثم إنه لو تحقق التعارض، فقد يقال بالرجوع إلى العموم الفوقاني الدال على عدم الضمان، ولكن ذلك يشكل: بأنه يبتنى على عدم انقلاب النسبة، والا فالعموم الفوقاني يتضيق أيضا لتقيده جزما بروايات الدرهم والدينار، فيكون حاله حال العقد السلبي في تلك الروايات، ومن هنا يعلم ارتباط هذا الفرع بمسألة انقلاب النسبة، فلاحظ.
نعم، يتعرض لصورة تعارض العام مع الخاصين المستغرقين وكيفية معالجة التعارض، كما يتعرض لصورة تعارض أحد العامين من وجه مع العام الاخر والخاص المخصص له.
واما شمول الاخبار العلاجية للعامين من وجه، فعلى القول بتعدد التعبد في المقامات الثلاثة - كما أشير إليه في المتن، وهو المذهب الصحيح - فلا وجه للقول بالشمول، لان الاخبار العلاجية تتكفل الترجيح من جانب الصدور، وواردة في مورد لا يمكن البناء على صدور الخبرين معا، ففي المورد الممكن التزام صدورهما لا اشكال حينئذ.
وما نحن فيه كذلك، لامكان الالتزام بصدورهما والتساقط في الدلالة وحجية الظهور في بعض المدلول.
نعم، في المورد الذي يكون التساقط في جميع المدلول تسرى المعارضة للصدور، إذ لا معنى للتعبد بصدور ما لا يؤخذ به أصلا، فيقع التعارض في أدلة اعتبار السند.
وقد يقال: بان الخبر العام منحل إلى اخبار متعددة بتعدد الافراد، فالخبر بمورد الاجتماع غير الخبر بمورد الافتراق، فيكون التعارض بين الخبرين الضمنيين، ونتيجته الترجيح أو التخيير في أحدهما.
والجواب: ان الخبر الضمني في المقام خبر تحليلي لا خبر عرفي، والا فالحكاية أو الانشاء واحد لا يقبل التعدد، وانما التعدد في مقام التطبيق والفعلية. وتوضيح ذلك.
أولا: ان التعارض في النقلين وهما ينقلان قول المعصوم وهو واحد لا متعدد، والانحلال على تقدير في المنقول لا في النقل.
وثانيا: ان الانحلال المتعقل انما هو في القضايا الخارجية كبيع الصفقة، والاخبار بفسق هؤلاء، ونحو ذلك، فيكذب من جهة دون أخرى. ولا يتعقل في القضايا الحقيقية، فلو قال: " السم قاتل " وتخلف ذلك في بعض الافراد لم يكن الا كاذبا لا صادقا وكاذبا، وذلك لان القضية الحقيقية اخبار بالملازمة بين المحمول والموضوع بلا نظر إلى وجود الموضوع خارجا والانحلال في مقام التطبيق. والأحكام الشرعية كلها منشئة بنحو القضية الحقيقية لا الخارجية، فلاحظ.
واما على القول بوحدة التعبد في المقامات الثلاثة، وان مرجع التعبد بالصدور إلى التعبد، بالمضمون أيضا، فقد يتصور سراية التعارض الدلالي إلى التعارض السندي، لعدم امكان الجمع بين التعبدين بصدورهما معا.
ولكنه مبنى فاسد أولا.
وثانيا: لا تساعده اخبار العلاج اثباتا، موضوع التعارض المطلق ومن جميع الجهات لا من جهة دون أخرى، فلاحظ.
واما ما افاده السيد الخوئي في المقام، فالكلام معه في جهات: في تحديده محل الكلام. وفى تفصيله بين العام والمطلق. فان غاية تقريبه: ان الاطلاق حيث إنه بمقدمات الحكمة، وهي تجرى من قبل المكلف نفسه والسامع للخبر، فمع تضاد الحكمين يعلم اجمالا بعدم كونه في مقام البيان في أحد الاطلاقين، فلا تتم مقدمات الحكمة في أحدهما، فلا ينعقد لأحدهما ظهور كي تتحقق المعارضة، بخلاف العموم فان دلالته وضعية.
والاشكال عليه: بان مجرى المقدمات هو المراد الاستعمالي لا الجدي، وهو غير معلوم العدم في أحدهما.
يمكن رده: بأن بيان المراد الاستعمالي بنحو الاطلاق مع عدم كونه مرادا جدا، انما يقرب على أساس كون الاطلاق يكون قاعدة ظاهرية يرجع إليها عند الشك ما لم يثبت التقييد، ومثل هذا مفقود فيما نحن فيه، لأنه بعد ورود الاطلاق الأول، فلا محصل لإرادة القاعدة الظاهرية من الاطلاق الثاني، فكيف بين الاطلاق استعمالا ولا يراد جدا؟ فإنه لغو محض. اذن فالتفكيك موجود بين العام والمطلق بما بيناه.
ولكن هذا لو تم لأشكل الامر في مطلق التعارض، إذ التعارض يتوقف على تمامية مقتضى الحجية في كل الدليلين في نفسه، فقد يقال: ان الظهور انما يكون حجة إذا لم يكن له معارض، فعدم المعارض اخذ في موضوع الحجية. وعليه فكل من المتعارضين ساقط عن الحجية، فلا تعارض أصلا لعدم حجية الظهور في كل منهما، فيكونان كالمجملين، فلا فرق فيما ذكره بين العامين من وجه وبين المتباينين، فتدبر.