منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٧ - الصفحة ٣٣٥
فالذي ينبغي ان يقال (1): انه لا بد من التفصيل على البنائين في مجرى
(1) تحقيق الكلام: ان تقديم المقيد على المطلق قد عرفت أنه من باب كشف المقيد عن عدم كون المتكلم في مقام البيان، الذي هو الأساس في ثبوت الاطلاق، وعرفت انه يخل بالمراد الاستعمالي.
وهذا انما يتم في مورد يمكن ان يلتزم بذلك - أعني: عدم كونه في مقام البيان، اما ما لا يمكن الالتزام به - كما لو كان الموضوع المقيد موضوع السؤال في المطلق، أو كان الاطلاق واردا لبيان حكم عمل المكلف بحيث لا يتصور انه يسمع التقييد بعد ذلك - كما أشرنا إليه في مبحث المطلق والمقيد فراجع - فلا يقدم المقيد على المطلق، بل يحصل التعارض بينهما.
والكلام فيما نحن فيه انما هو في غير هاتين الصورتين، بل في مورد لو كان بدل العام دليلا مقيدا لقيد المطلق، فيتكلم في أن العام هل يؤدى مهمة الدليل المقيد فيقيد به المطلق ويكون كاشفا عن عدم كونه في مقام البيان، أو ليس له هذه المهمة؟
والتحقيق: ان تقديم العام على المطلق يتوقف على الالتزام بان دلالة العام على العموم وضعية بواسطة الأداة لا اطلاقية بواسطة مقدمات الحكمة، وكون دلالة الأداة تتبع اطلاق المدخول.
فإنه على الأول يصلح العام لان يكون كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان، فيتصرف في المطلق ولا يصلح المطلق للتصرف في العموم، لان دلالة العام غير منوطة بمقدمات الحكمة بل هي بالوضع.
واما على الثاني، فلا يصلح العام للتصرف في المطلق، لأنه يتوقف على مقدمات الحكمة، فيكون المورد من موارد تعارض الاطلاقين.
والبحث في كون العموم في العام هو مدلول الأداة أو انه مقتضى مقدمات الحكمة، والأداة لا تتكفل الا بيان خصوصية العموم من استغراقية أو بدلية، قد أشرنا إليه في مبحث العام والخاص، وقد قربنا الثاني، ونزيد هنا توضيحا لما تقدم.
أولا: ان مدخول الأداة قد لا يكون في بعض الأحيان مما له عموم افرادي، بحيث يكون له افراد متعددة، كقول القائل: " سهوت في كل الصلاة " أو: " وقع كل الصلاة في النجس "، فان الصلاة هنا ليس لها افراد متعددة يقصد بيان ارادتها بواسطة: " كل "، بل لا يقصد الا بيان استغراق حالة السهو لجميع حالات وآنات الصلاة، فهي لا تفيد سوى الاستغراق، والالتزام بتعدد المعنى لها غير صحيح، لان الملحوظ انها تستعمل في مثل: " أكرم كل عالم "، ومثل المثال السابق في معنى واحد، لا معنيين.
وثانيا: ان مدلول قول المولى: " أكرم كل عالم " إذا حللناه نجده بمعنى: " أكرم كل فرد من افراد العالم "، وهنا يصح ان يسال ان المراد بالعالم خصوص الفقيه أو الأعم، وهذا يكشف عن عدم إفادة لفظ: " كل " التعميم من حيث أنواع العالم، فلا بد من دليل اخر يدل على التوسعة، وهو ليس إلا مقدمات الحكمة.
ثالثا: انه لو فرض كون الدلالة على العموم بواسطة الأداة، لأشكل الامر في تقديم الخاص على العام، بل كانا متعارضين، بناء على ما عرفت من أن دلالة اللفظ على المعنى دلالة قطعية، فلا وجه حينئذ لتقديم الخاص على العام الذي هو مبنى السيرة العقلائية العرفية. ووجه ذلك منحصر بالالتزام بكون دلالة الأداة على العموم يتبع سعة المدخول المستفاد من جريان مقدمات الحكمة فيه.
وبالجملة: فلفظ " كل " يفيد شمول الحكم لجميع الافراد، في قبال العموم البدلي الذي لا يكون الحكم متعلقا الا بفرد على البدل، اما تعلق الحكم بكل فرد فرد أو بالمجموع، فهو خارج عن مفاد لفظة: " كل "، بل يستفاد من قرائن أخرى، فتدبر.