الجعل لا المجعول، فان الاستمرار وعدمه في المجعول لا يرتبط بالنسخ أصلا.
وإذا كان الاستمرار من صفات الجعل ويتوقف عليه توقف العارض على معروضه لم يصلح الدليل المتكفل لانشاء الجعل لبيان الاستمرار، لأنه متأخر عن وجود الجعل، والدليل الانشائي انما يتكفل ايجاد الجعل، فيمتنع ان يتكفل بنفسه اثبات استمراره، بل لا بد من دليل اخر يتكفل بيان الاستمرار.
وليس من الأدلة الاجتهادية ما يصلح لبيان ذلك الا ما يتوهم من قوله:
" حلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال إلى يوم القيامة.. "، وهذا الدليل ظاهر في بيان دوام الشريعة المحمدية بما لها من الاحكام والمجموع بما هو مجموع، لا دوام كل حكم من احكامه.
وعليه، فالدليل الذي يتكفل الاستمرار هو الاستصحاب، فباستصحاب الحكم يثبت بقاؤه ودوامه واستمراره.
وإذا كان الاستمرار ثابتا بالاستصحاب لم يصلح لمعارضة أصالة العموم في ما نحن فيه، لأنها دليل اجتهادي حاكم أو وارد عليه بلا كلام.
مع امتناع جريان الاستصحاب في بعض الصور، وهو صورة تأخر الخاص، فإنه مع احتمال كون الدليل مخصصا وان حكم العام لم يكن ثابتا للخاص من حينه، لا مجال لاستصحاب الحكم لان الشك في أصل الحدوث، فيبتنى جريانه على قاعدة اليقين وهي غير تامة.
وبالجملة: ليس في المقام ظهوران يعارض أحدهما الاخر، بل المعارضة البدوية بين الاستصحاب وأصالة العموم، ولا كلام في تقدمها عليه. فالالتزام بالنسخ - بحسب قواعد المعارضة - متعين.
الا انه لما كان بناء العقلاء منعقدا على عدم العمل بأصالة العموم لو كان هناك خاص ولو كان سابقا أو لاحقا، لأنه يكون قرينة عليه، لم يمكن الالتزام بأصالة العموم فيما نحن فيه.