الخالدة في أداء مهمته الرسالية، فكانت مفصلة للكتاب، وشارحة له، كما قال تعالى:
(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (1). وقال:
(وما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) (2).
وهكذا كانت السنة - دائما - مصدرا ثرا لبيان الاحكام وتفصيلها، وأساسا متينا لبنى الانسان العقائدية والفكرية، لأنها توفر له رؤية سليمة عن الكون والحياة، وينبوعا غدقا للأخلاق الرفيعة السامية التي تبعث الحياة الهانئة الكريمة، وتضفي عليها روح البهجة والسعادة، بعيدا عن التعقيد، والتنافس المادي، الذي يمزق كيان الفرد والمجتمع معا.
لذلك عنيت الأمة الاسلامية - ومنذ اليوم الأول - بتعهد السنة وحفظها، ورواية الحديث وتحمله، فبلغت الأمة الذروة في ذلك، ولم يتح لغيرها من الأمم في حفظ تراث أنبيائهم كما أتيح لها ذلك. وهذه مفخرة لهذه الأمة تفتخر بها على غيرها من الأمم السابقة.
فروى لنا المسلمون الأوائل ما ضاقت به الموسوعات الحديثية رغم تعددها، حتى صنف الشيعة الإمامية أربعمائة كتاب تسمى بالأصول (3) خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة، إضافة إلى الكتب الحديثية الأخرى، دونوا فيها ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من الأحاديث في كافة شؤون الحياة المتنوعة، حتى لا يشك من يطالع تلك الكتب، أنها ما تركت شيئا من أقوالهم وأفعالهم وسيرتهم في الأمور كلها إلا وحوتها.
ولم تقف عنايتهم بالحديث على روايته وتدوينه فقط، بل أفرغوا الوسع في المحافظة عليه وتشبثوا بكل وسيلة لتحقيق هذا الغرض، حتى انتهوا إلى تأسيس قواعد تسمى ب (علوم الحديث) لحفظ هذا التراث، وصيانته من التحريف فيه والدخيل، وتعهدوا بالعمل بها منذ العهد الأول، وهكذا في سائر العصور والأزمان.
ولقد أدت الحديث دورا ايجابيا لا ينكر في حفظ تراثنا الحديثي، وساهمت