إلى هذه العلوم، إضافة إلى اعتماد من تأخر عن القرن الخامس الهجري في تصحيح الروايات والاخبار، على ما دونه علماء القرن الرابع والخامس، وهم الكليني في الكافي، والصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه، والطوسي في كتابيه التهذيب والاستبصار، حيث إن هؤلاء الثلاثة أدرجوا في كتبهم - ولا سيما الكليني والصدوق - ما يعتقدون صحته من الأحاديث، وهم ثقات وعدول بل وأئمة هذا الفن عند الإمامية وعليهم المعول في ذلك، وهم بدورهم تلقوه من أصحابهم الثقات، ومن كتب وأصول حديثية معروفة ومشهورة آنذاك، (وتوسعوا في طرق الروايات، وأوردوا في كتبهم ما اقتضى رأيهم إيراده من غير التفات إلى التفرقة بين صحيح الطريق وضعيفه.. اعتمادا منهم في الغالب على القرائن المقتضية لقبول ما دخل الضعف طريقه.. الخ) (1)، فلم يبق موضوع لهذه العلوم حينئذ و (لم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التميز باصطلاح أو غيره) (2)، لأنهم توسعوا في مفهوم الصحيح ليشمل - إضافة إلى صحيح السند - الحديث الضعيف إذا احتف بقرائن الصحة. قال الشيخ حسن:
(لاستغنائهم عنه - اي عن مصطلح الصحيح - في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر وإن اشتمل طريقه على ضعف) (3).
أما من يرى صحة جميع الأخبار الواردة في الكتب الأربعة مطلقا - (الكافي، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار) - كالأخباريين، فقد شجب تنوع الحديث، لانتفاء موضوعها حينئذ، بل (عدوه من البدع التي يحرم العمل بها) (4).
إلا أن النظرية القائلة بصحة جميع اخبار الكتب الأربعة تلاشت أو تكاد - وإنما استقل بها الأخباريون فقط - أما غيرهم فقد استأنف دراسة جديدة لأسانيد الأحاديث، وبدأوا بنقدها نقدا علميا موضوعيا. قال الشيخ حسن:
(فلما اندرست تلك الآثار واستقلت الأسانيد بالاخبار اضطر المتأخرون إلى تمييز