جلس في الركعتين قبل أن يتشهد رعف قال فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته فإن آخر الصلاة التسليم ولأنه لولا وجوبه لما بطلت صلاة المسافر بالاتمام هذا نهاية استدلال الفريقين وفى أكثر هذه الأدلة نظر أما الحديث الأول فلانه غير جامع لواجبات الصلاة جميعها فإن التشهد واجب إجماعا وكذلك الحركات والسكنات كالقيام من الركوع والطمأنينة فيه والجلوس بين السجدتين ونحوها وليست داخلة في الخبر نعلم إن الحصر غير مراد منه بل كأنه عبر عن الصلاة بمعظم أفعالها أو بأشرفها كقوله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وكقوله عليه السلام الحج عرفة وحينئذ فلا دلالة فيه على عدم وجوب غير المذكور خصوصا مع قيام الدليل على وجوبه وأما صحيحة زرارة الدالة على تمامية الصلاة قبله وعدم تأثير الحدث فقد وقع في الاخبار ما هو أبلغ منها واحتاج إلى الحمل إجماعا وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة أيضا قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال تمت صلاته وإنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد وروى في معناه أخبارا أخرى وحمله على من أحدث بعد الشهادتين وإن لم يستوف باقي تشهده فلأجل ذلك قال تمت صلاته وهذا التأويل ممكن في خبر التسليم ويمكن أن يقال إنما عدل عن ظاهر الحديث الثاني للاجماع على خلافه فوجب المصير إلى خلافه بخلاف الأول إذ لا وجه للعدول عن ظاهره وأيضا فالأول صحيح بخلاف الثاني فإن في طريقه ابن بكير فلا يرد نقضا وأما حديث تحليلها التسليم فقد أجيب عنه بأن الأصحاب لم يفردوه (يقرره خ ل) مسندا وإن كان من المشاهير فإن المراسيل لا تنهض دليلا وبمعارضته بما هو أقوى سندا ودلالة وبأنه متروك الظاهر فإن التحليل ليس هو نفس التسليم فلا بد من إضمار ولا دليل على تعيين ما يقتضى الوجوب ودعوى وجوب انحصار المبتدأ في الخبر غير تامة فإنه كما يجوز الاخبار بالمساوي والأعم مطلقا يجوز الاخبار بالأعم من وجه كما في قولك زيد قائم وبالأخص مطلقا كقولك حيوان يتحرك كاتب فإن المراد من الاخبار الاسناد في الجملة فلا يجب تساوى الفردين في الصدق ولا في المفهوم وأما مداومة النبي والأئمة عليهم السلام على فعله فهو على تقدير تسليمه أعم من كونه على وجه الوجوب أو الندب كمداومتهم عليهم السلام على رفع اليدين في تكبيرة الاحرام ونحوه ثم من الذي تتبع فعلهم عليهم السلام أنهم لم يتركوا التسليم أصلا وأما الآية فدلالتها على المدعى أبعد من الجميع لان المراد به السلام على النبي صلى الله عليه وآله للسياق وأنتم لا تقولون به وروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام أن المراد به التسليم للنبي صلى الله عليه وآله في الأمور وقيل سلموا لأمر الله تسليما كما في قوله تعالى ويسلموا تسليما قيل ولو سلم كون المراد منه التسليم المعهود لم يدل على وجوبه مطلقا لان الامر لا يقتضى التكرار كما مر وفيه نظر لأنه متى ثبت وجوبه مرة ثبت مطلقا إذ لا قائل بالفرق بل الاجماع منعقد على أحد الامرين وجوبه مطلقا أو ندبه مطلقا وحديث أن آخر الصلاة التسليم لا يدل على وجوبه أيضا فإن أفعال الصلاة منها واجبة ومنها مندوبة فلا يدل كونه منها على وجوبه بل هو أعم ولا دلالة للعام على الخاص مع أنه يحتمل كون التسليم غاية للصلاة والغاية قد تدخل في المغيا وقد لا تدخل وأما بطلان صلاة المسافر على تقدير إتمامها فوجهه زيادة الركعتين بقصد الاتمام فإن الصلاة إنما تتم عند القائل بندب التسليم بنية الخروج أو بالتسليم وإن كان مستحبا أو بفعل المنافى ولم يحصل وهذا الجواب لا يوجد صريحا في كلام القائلين بالندب نعم يمكن استنباطه منه وقد أومأ إليه الشهيد رحمه الله من غير تصريح وكذلك المحقق الشيخ علي رحمه الله وقد ظهر من ذلك كون المسألة موضع تردد ومحل إشكال وأدلة الندب لا تخل من رجحان وإن كان القول بالوجوب أحوط ولا محذور فيه بالنسبة إلى الصلاة لأنه إن كان مطابقا فلا
(٢٨٠)