انحراف البعيد وإن كان يسيرا يفرط في البعد عن المنحرف عنه باعتبار زيادته كما تقدم فربما خرج به عن التوجه إلى الحرم وقد أورد عليه العلامة السعيد سلطان العلماء المحققين خواجة نصير الدين الطوسي رحمة الله عليه حين حضر بعض مجالس المحقق نجم الدين بن سعيد وجرى في درسه هذه المسألة بأن التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى جهة وحينئذ إما أن تكون الجهة محصلة أو لا ويلزم من الأول التياسر عما وجب التوجه إليه ومن الثاني عدم جواز التوجه إلى ما ذكر قبله وتلخيصه إن التياسر إن كان إلى القبلة فواجب أو عنها فحرام فأجاب المحقق رحمه الله بأن الانحراف عن القبلة للتوسط فيها لاتساعها من جانب اليسار لان أنصاب القبلة إلى يسار الكعبة أكثر كما مر ثم صنف رسالة في تحقيق الجواب والسؤال وبعثها إليه فاستحسنها العلامة حين وقف عليها وهي مشهورة وحيث كان الحكم مبنيا على رواية ضعيفة مرتبة على قول ضعيف وكان البعيد الكثير لا يؤمن معه من الانحراف الفاحش وإن كان في ابتدائه يسيرا كان الاعراض عنه وعلامة الشام جعل بنات نعش الكبرى وهي سبعة كواكب أربعة منها نعش وثلث بنات حال غيبوبتها وهو انحطاطها ودنوها إلى المغرب خلف الاذن اليمنى والمراد جعل كل واحدة منها غايبة خلف الاذن لاختلاف وقت مغيبها وجعل الجدي خلف الكتف اليسرى (الأيسر خل) عند طلوعه وهو غاية ارتفاعه كما مر وكذا عند غاية انحطاطه وفى جعل الشامي له خلف الكتف والعراقي خلف المنكب إشارة إلى انحراف العراقي عن نقطة الجنوب نحو المغرب أكثر من انحراف الشامي عنها نحو المشرق وإن اشتركا في أصل الانحراف والامر فيه كذلك وسيأتي إن شاء الله تحريره ومغيب سهيل اليمن وهو أخذه في الانحطاط وميله عن دائرة نصف النهار على العين اليمنى وطلوعه وهو بروزه عن الأفق المرئي بين العينين وربما يوهم إن المراد بطلوعه غاية ارتفاعه وهو غلط فاحش ناشئ عن عدم معرفة الفرق بين الطلوع وغاية الارتفاع وبينهما غاية التباعد كما لا يخفى على من اطلع أدنى اطلاع على مصطلح القوم وأيضا فيه خطأ من جهة العلم بالقلة لأنه حينئذ يكون على دائرة نصف النهار كما هو لازم غاية ارتفاع كل كوكب فيكون جاعله بين العينين في هذه الحالة مستقبلا لنقطة الجنوب وهذه قبلة العراقي على بعض الوجوه كما عرفته لا قبلة الشامي وجعل الصبا مقصورة مفتوحة الصاد وهي ريح تهب ما بين مطلع الشمس في حال الاعتدال إلى الجدي على الخد الأيسر وجعل ريح الشمال بفتح الشين ومحلها ما بين القطب ومغرب الاعتدال على الكتف الأيمن والرياح علامة ضعيفة كما تقدم لقلة الوثوق لها مع الجهل بالجهة ومع العلم بها يستغنى عن الرياح لكن لما أمكن العلم بالرياح بدون الجهة وإن بعد جعلت في العلامات ويستفاد من هذه العلامات كون قبلة الشامي مائلة عن نقطة الجنوب نحو المشرق قليلا وهو أيضا موافق للقواعد المؤسسة في هذا الباب بل هذه مستنبطة منها لعدم ورود نص على قبلة الشامي وبهذا يظفر فساد أكثر المحاريب الموضوعة في بلادنا فإنها موضوعة على نقطة الجنوب تقريبا وهي قبلة أطراف العراق كما عرفت لا قبلة الشام وبالتحرير المستفاد من هذه العلامات وغيرها يعلم أن سمت قبلة الشامي على ثلث مقدار ما بين نقطة المشرق والجنوب بحيث يكون ثلثا ذلك المقدار على يسار المصلى وثلثه عن يمينه نحو الجنوب بل ظاهر العلامات المذكورة هنا يدل على الانحراف عن نقطة الجنوب أزيد من الثلث لان سهيلا يطلع على الأفق منحرفا عن نقطة الجنوب تسعة وثلاثين جزأ من تسعين جزأ من القوس التي بين نقطتي المشرق والجنوب وكذلك إذا جعل الخد مسامتا لمنتصف ما بين نقطة المشرق والقطب الذي هو أعدل مهب الصبا يستلزم مسامتة الوجه لمنتصف ما بين نقطة الجنوب والمشرق كما لا يخفى على من أحاط علما بما أسلفناه من المقدمات إلا أن التحقيق الذي يجب المصير * (في الأصل صفحتان هنا وضعناها في آخر الكتاب وهي رسالة للمحقق في استحباب التياسر في القبلة) *
(١٩٩)