والمراد به النابع غير البئر سواء جرى أم لا وإطلاق اسم الجاري عليه أما حقيقة عرفية أو تغليب لبعض أفراده على الجميع وأما الجاري غير النابع فهو من أقسام الواقف وسيأتي ولا ينجس الجاري إلا بتغير أحد أوصافه الثلاثة لونه أو طعمه أو ريحه لا مطلق الصفات كالحرارة ونحوها بالنجاسة متعلق بالمصدر وهو تغير ويستفاد من الاستثناء من المنفى المقتضى لحصر الحكم في المثبت أنه لو تغير في أحد أوصافه بالمتنجس لا بالنجاسة لم ينجس كما لو وضع فيه دبس نجس فغير طعمه بحيث لو انفردت النجاسة المنجسة للدبس عنه ووضعت في الجاري لم تغيره والمراد برائحة الماء سلامته من رائحة مكتسبة سواء كان له رائحة في أصله أم لا وكذا القول في قسيميها والمعتبر في التغيير بالنجاسة ما كان بواسطة ملاقاتها فلا ينجس بالتغير الحاصل من المجاورة ومرور الرائحة على الماء كالجيفة الملقاة على جانب الشط فيتغير بها وهل المعتبر في التغير الحسى أو التقديري ظاهر المذهب الأول وهو اختيار الشهيد رحمه الله واختار المصنف الثاني فلو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات في الجاري والكثير وهو باق على طهارته على الأول لدوران النجاسة مع تغير أحد الأوصاف الثلاثة والتغير حقيقة هو الحسى ولم يحصل والمصنف يقدرها على أوصاف مخالفة كالحكومة في الحر فإن كان الماء يتغير بها على ذلك التقدير حكم بنجاسته وإلا فهو باق على طهارته واحتج على ذلك بأن التغير الذي هو مناط النجاسة دائر مع الأوصاف فإذا فقدت وجب تقديرها وهو عين المتنازع واحتج له بأن عدم وجوب التقدير يفضى إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا وهو كالمعلوم البطلان وضعفه ظاهر فإنه مجرد استبعاد ولا ريب إن مختار المصنف أحوط إن لم يتوقف عليه عبادة مشروطة بالطهارة أو بإزالة النجاسة وإلا لم يتم الاحتياط وعليه يمكن تقدير المخالفة على وجه أشد كحدة الخل وذكا المسك وسواد الحبر لمناسبته النجاسة تغليظ الحكم وهو الظاهر من كلامه في النهاية واعتبار الوسط بناء على الأغلب وهل يغير أوصاف الماء وسطا لاختلافها في قبول التغير وعدمه كالعذوبة والملوحة والرقة والغلظة والصفا والكدورة فيه احتمال وما اختاره الشهيد رحمه الله أوضح فتوى وأسلم من تقدير ما ليس بموجود وترتب الحكم عليه واعلم أنه يستفاد من الحصر المذكور عدم اشتراط الكرية في الجاري كما هو المشهور بين الأصحاب بل قال في الذكرى لم أقف فيه على مخالف ممن سلف وحجتهم الاخبار عن أهل البيت عليهم السلام برفع البأس عن ملاقاته للنجاسة من غير تقييد بالكرية كقول الصادق عليه السلام لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري ولأنه قاهر للنجاسة غالب عليها لعدم استقرارها ولأن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية ولأن الأصل الطهارة فتستصحب حتى تظهر دلالة تنافيه وذهب المصنف رحمه الله في سائر كتبه إلى اشتراطها فيه فلو كان دون الكر نجس كالواقف بمجرد ملاقاة النجاسة له مع تساوى سطوحه ومع اختلافها ما تحت النجاسة دون ما فوقها محتجا بعموم الأدلة الدالة على اعتبار الكرية ولا معارض له فيجب التمسك به وأجيب بتعارض العمومين والترجيح في جانب الشهرة لما ذكر فيخص اعتبار الكرية بغير النابع أقول في حجة المشهور نظر إذ لا دلالة في نفى البأس عن البول في الجاري على عدم انفعال القليل منه بالنجاسة بإحدى الدلالات والاستدلال بعمومه لو سلم فإنما يدل على جواز تنجيسه مع قلته وهو غير المتنازع ولمعارضته بقول علي عليه السلام نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة فقد تساوى الماءان في النهى ومن ثم حكموا بكراهة البول فيهما ولا يرد أن النجاسة بأس فنفيه يقتضى نفيها لان المراد بالبأس في هذا ونظائره الحرام فإن البأس لغة هو العذاب وهو مسبب عن التحريم فأطلق اسمه على السبب إذ لا يصلح هنا غير ذلك من معاتب لغة وقهره للنجاسة وغلبته عليها لا يصلح دليلا شرعيا مع معارضته بماء البئر عندهم وخروجه بنص خاص عين المدعى هنا إذ لا معارض لدليل اشتراط الكرية في عدم
(١٣٤)