الشهيد رحمه الله ففي بعض كتبه عمل بالأول وفي بعضها بالثاني ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف متن الرواية فروى في الكافي عن محمد بن يحيى رفعه عن أبان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام فتاة منا بها قرح في جوفها والدم سائل لا تدرى من دم الحيض أو من دم القرحة قال مرها تستلقي على ظهرها وترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة وعلى هذا المعنى عمل ابن الجنيد وأما التهذيب فالذي نقله الشهيد في الذكرى عن كثير من نسخه أن الرواية فيه كما في الكافي بلفظها بعينه والموجود في بعض نسخه في الرواية بعينها إلى أن قال فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة وعلى هذه النسخة عمل المصنف ونقلها في احتجاجه عن التهذيب ساكتا عليها وبمضمونها أيضا أفتى الشيخ في النهاية وهو يؤيد صحتها لان عمله في النهاية إنما هو على ما صح عنده من الرواية واعترضها السيد جمال الدين بن طاوس صاحب البشرى بعد اعترافه بوجودها في بعض نسخ التهذيب بأن ذلك تدليس وفيه إن التدليس إنما يكون في إسناد دون المتن كما يروى عمن لقيه ولم يسمع منه موهما أنه سمع منه أو يروى عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه لقيه وسمع منه فالأسند حينئذ ما ذكره المحقق في المعتبر والشهيد في الدروس أن الرواية مضطربة فإن الاضطراب كما يكون في الاسناد يكون في المتن واعترض إن الاضطراب إنما يصدق إذا تساويا أما إذا ترجح أحدهما بمرجح فلا والمرجح هنا موجود مع رواية الأيسر بأنه حيض لفتوى الشيخ بمضمونها في النهاية قيل ولا يعارضها رواية محمد بن يعقوب لها بخلاف ذلك لان الشيخ أعرف بوجوه الحديث و أضبط خصوصا مع فتوى الأصحاب بمضمونها وفيه الشك في كون ذلك ترجيحا مع ما قد عرفت من أن أكثر نسخ التهذيب موافقة للكافي فيعارض مرجح عمل الشيخ بمضمونها أمران أحدهما أكثرية النسخ بخلافه والثاني مخالفة الكافي وإذا لم يحصل بهما الترجيح فلا أقل من المساواة الموجب للاضطراب هذا كله مع أن الرواية مرسلة أرسلها محمد بن يحيى عن أبان فلذلك أطرحها المحقق في المعتبر وقال أن الرواية مقطوعة مضطربة ولا أعمل بها فعنده هذه العلامة مطرحة وأجيب بان عمل الأصحاب بمضمونها واستشهارها بينهم جابر لوهن إرسالها وقد اعترف بذلك المحقق في غير موضع من الكتاب بقي هنا شئ وهو أن الرواية مع تسليم العمل بها إنما دلت على الحكم للحيض عند اشتباهه بالقرحة لا مطلقا وكذلك عبارة أكثر الأصحاب حتى المصنف في كثير من عباراته وظاهره في هذا الكتاب اعتبار الجانب سواء حصل اشتباه بالقرحة أم لا وتظهر الفائدة فيما لو انتفت القرحة وخرج الدم من الجانب المخالف بأوصاف الحيض وشرائطه فإن مقتضى الرواية وكلام الجماعة أنه حيض لامكانه ويمكن حمل كلام من أطلق الحكم على ذلك نظرا إلى المستند مع أن النظر لا يأبا الاطلاق لان الجانب إن كان له مدخل في حقيقة الحيض وجب إطراده وإلا فلا لكن الوقوف على ظاهر النص وكلام الأكثر يقتضى تخصيص مدخليته بمصاحبة القرحة وبالجملة فللتوقف في هذه المسألة وجه واضح وإن كان ولا بد فالعمل على ما عليه الأكثر وهو الحكم للحيض بخروجه من الجانب الأيسر وأما الحكم الثالث وهو أن الخارج بعد سن اليأس لا يكون حيضا فمما لا خلاف فيه بين أهل العلم كما نقله المحقق في المعتبر مضافا إلى ذلك ما دل عليه من الاخبار وإن اختلف في تقديره وسيأتي الكلام فيه وأما الرابع وهو اشتراط عدم قصوره عن ثلاثة أيام متوالية فعليه إجماع أصحابنا وبعض من خالفنا كأبي حنيفة ومستنده روايات من طرقنا وطرقهم ولفظ الاخبار ثلاثة أيام والليالي معتبرة فيها أما لكونها داخلة في مسماها بناء على أن اليوم اسم الليل والنهار أو للتغليب وقد صرح بدخولها في بعض الاخبار وفي عبارة بعض الأصحاب وادعى المصنف في المنتهى عليه الاجماع وأما قيد التوالي فعليه الأكثر وخالف فيه الشيخ في النهاية
(٦١)