في أطول أيام السنة وهو يوم واحد عند نزول الشمس السرطان وحكى بعضهم فيه قولا آخر وهو إن ذلك يكون بالبلدين قبل أن ينتهى طول النهار بستة وعشرين يوما ويستمر كذلك إليه وكذا بعد انتهائه بستة وعشرين يوما أيضا والتحقيق إن كلا القولين فاسد وذلك لان الوجه في عدم الظل للشاخص مسامتة الشمس لرأسه بحيث لا تميل عنه إلى جهة الشمال ولا إلى جهة الجنوب وذلك إنما يكون في أطول أيام السنة لبلد يكون عرضه مساويا للميل الأعظم الذي لفلك البروج عن معدل النهار وهو أربع وعشرون درجة مجبورة الدقائق أما ما كان عرضه أقل من الميل الأعظم كمكة وصنعاء فإن الشمس تسامت رؤس أهله في السنة مرتين وذلك عند بلوغ الميل قدر عرض البلد في الربيع والصيف ومما ثبت كون عرض مكة أحدا وعشرين درجة وأربعين دقيقة أو ما قاربها وعرض صنعاء أربع عشرة درجة وأربعين دقيقة أيضا وحينئذ فتكون مسامتة الشمس لرؤس أهل صنعاء قريبا من وسط الزمان الذي بين الاعتدال والمنقلب الصيفي في فصل الربيع والصيف عند كون الشمس في برج الثور والأسد ثم يحدث لها ظل جنوبي عند انتقالها في الصعود ولا يزال يتزايد حتى ينتهى الصعود وذلك اليوم الأطول فيكون لها حينئذ بالبلد المذكور ظل جنوبي مستطيل ثم يأخذ في النقصان عند دخولها في برج السرطان إلى أن ينقص الميل بحيث يساوى عرض البلد وذلك عند كونها في برج الأسد فيعدم الظل أيضا يوما واحدا ثم يحدث لها ظل شمالي ولا يزال يتزايد حتى ترجع إلى برج الثور فيكون لها في السنة مسامتان وظلان جنوبي وشمالي وأين هذا مما ذكروه وأما مكة فعرضها كما تقدم ينقص عن الميل الأعظم كثيرا فيكون مسامتة الشمس لرؤس أهلها قبل انتهاء الميل أيضا فتسامت رؤس أهلها مرتين أيضا وقد حققها جماعة من أهل هذا الفن كالعلامة المحقق خواجة نصير الدين الطوسي وغيره بأنها تكون عند الصعود في الدرجة الثامنة من الجوزاء وفى الهبوط بعد الانقلاب الصيفي في الدرجة الثالثة والعشرين من السرطان لمساواة لليل في الموضعين بعرض مكة فلا يكون في هاتين الحالتين للمقاييس المنصوبة على سطح الأفق ظل أصلا ويكون الشمس فيما بين هاتين الدرجتين شمالية عن سمت مكة فيقع الاظلال في أنصاف النهار جنوبية وهذا التقرير يقارب القول الثاني لكن يظهر فساده من وجهين أحدهما إن ذلك القول جعلوه شاملا لمكة وصنعا وقد عرفت بعد صنعاء عن هذا المقام كثيرا وإنما يقارب مكة خاصة والثاني أنه اقتضى عدم الظل أصلا في تمام اثنين وخمسين يوما وذلك من مبدأ مسامتة الشمس لرؤس أهل مكة إلى أن ترجع إلى المسامتة الثانية وليس الامر كذلك وإنما يعدم في كل مسامتة يوما يوما واحدا في مبدء المدة ومنتهاها ثم يرجع الظل بين الحدين جنوبيا كما تقدم نعم يمكن أن يقال في مكة إن المراد بعدم الظل في هذه المدة الظل الشمالي المتعارف وذلك لا ينافي ثبوت ظل آخر لكنه يفسد من جهة قولهم إن علاقة الزوال لهذا الفريق حدوثه بعد عدمه فإنه لا يتم ذلك و جملة البلدان إن نقص عرضها عن الميل الأعظم أو لم يكن لها عرض كخط الاستواء سامتت الشمس رؤوس أهله مرتين في غير يومى المنقلبين وعدم الظل فيه حينئذ ومن هذا القسم مكة والطايف واليمامة ونجران وصنعاء وزبيد وحضرموت وغيرها وإن كانت أوقات المسامتة فيها مختلفة لاختلاف عروضها وإن ساواه سامتته مرة واحدة عند المنقلب الشمالي في الأرض المعمورة ويكون عدم الظل حينئذ في أطول الأيام كما ذكر وأقرب البلدان إلى هذا القسم مدينة الرسول صلى الله عليه وآله فلو مثل بها كان حسنا وإن كانت زائدة في العرض عن الميل الأعظم لكن الزيادة دقائق لا يظهر بسبب الحر وإن زاد عرض البلد عن الميل الكلى كالشام والعراق وجميع ما خرج عنهما نحو الشمال وغيرهما
(١٧٧)