قلنا: ليس في هذه الآية الا المتعمد وحده وليس فيها ذكر للمخطئ لا بايجاب جزاء عليه ولا باسقاطه عنه فوجب طلب حكمه في نص آخر، إذ ليس حكم كل شئ موجودا في آية واحدة، وهذا هو الذي لا يعقل أحد سواه، فإذا وجدنا حكمه حكمنا به اما موافقا لهذا الحكم الاخر واما مخالفا له ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد أسقط الجناح عن المخطئ، ووجدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد قال: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وأنه قد عفا عن الخطأ والنسيان وذم تعالى من شرع في الدين ما لم يأذن به، فوجب بهذه النصوص ان لا يلزم قاتل الصيد خطأ أو ناسيا لاحرامه شرع صوم. ولا غرامة هدى.
أو اطعام أصلا، فظهر فساد احتجاجهم ولله تعالى الحمد * واحتجوا أيضا بان قالوا: لما كان متلف أموال الناس يلزمه ضمانها بالخطأ والعمد وكان الصيد ملكا لله تعالى وجب ضمانه بالعمد والخطأ * قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، ولكانوا أيضا قد أخطأوا فيه، أما كونه خطأ فان الله تعالى فرق بين حكم ما أصيب من أموال الناس وبين حكم ما أصيب من الصيد في الاحرام فجعل في أموال الناس المثل. أو القيمة عند عدم المثل، وجعل في الصيد جزاء من النعم لامن مثله من الصيد المباح في الاحلال، أو اطعاما أو صياما وليس شئ من هذا في أموال الناس فسووا بين حكمين قد فرق الله تعالى بينهما، وهذه جرأة شديدة وخطأ لائح، واما خطأهم فيه فان الحنيفيين مجمعون على أن الكفارات لا يجوز ان تؤخذ قياسا وأو جبوا ههنا قياسا والقوم ليسوا في شئ، وإنما هم في شبه اللعب ونعوذ بالله من الخذلان * وأما المالكيون فإنهم قاسوا متلف الصيد خطأ على متلف أموال الناس عمدا وإنما يجب عندهم في أموال الناس القيمة فقط ويجب عندهم في الصيد المثل من النعم. أو الاطعام. أو الصيام فقد تركوا قياسهم الفاسد * (فان قالوا) اتبعنا القرآن قلنا: فالتزموا اتباعه في العامد خاصة واسقاط الجناح عن المخطئ وأوجبوا (1) في الصيد القيمة كما فعل أبو حنيفة وطرد قياسه الفاسد، وأيضا فان الحنيفيين لا يرون ضمان ما ولدت الماشية المغصوبة إلا أن تستهلك الأولاد ويرى على من أخذ صيدا وهو محرم فولد عنده، ثم مات الولد من غير فعله ان يضمن الام والأولاد، فأين قياسه الصيد على أموال الناس؟ * وأما الشافعيون فان الله تعالى قد حرم الخنزير وكل ذي ناب من السباع وكل ذي