والأصل ان لا شئ على الناسي والمخطئ فخرج عندهم إيجاب الكفارة والدية على قاتل المؤمن خطأ عن أصله فوجب أن لا يقاس عليه، وأيضا فإنهم متفقون على أن لا يقيسوا حكم الواطئ في نهار رمضان ناسيا على الواطئ فيه عمدا في ايجاب الكفارة عليهما، وقتل الصيد أشبه بالوطئ منه بقتل المؤمن لان قتل المؤمن لم يحل قط، ثم حرم بل لم يزل حراما مذ آمن أو مذ ولد إن كان ولد على الاسلام، وأما الوطئ وقتل الصيد فكانا حلالين، ثم حرما بالصوم وبالاحرام فجمعتهما هذه العلة فأخطأوا في قياس قاتل الصيد (1) خطأ على مالا يشبهه، وأما مخالفتهم للقياس هنا (2) فان الحنيفيين من أصلهم ان الكفارات لا يجوز ان توجب بالقياس ثم أوجبوها ههنا بالقياس، وأيضا فان الحنيفيين. والمالكيين قاسوا الخطأ في قتل الصيد على الخطأ في قتل المؤمن فأوجبوا الجزاء في كليهما ولم يقيسوا قتل المؤمن عمدا على قتل الصيد عمدا (3) فأوجبوا الكفارة في قتل الصيد عمدا ولم يوجبوها في قتل المؤمن عمدا وهذا تناقض وباطل، وأيضا فلم يقيسوا ناسي التسمية في التذكية على المتعمد لتركها فيها مع مجئ القرآن بالتسوية بين الامرين هنالك، وتفريق الحكم ههنا، والشافعيون فرقوا بين الناسي فيما تبطل به الصلاة وبين العامد، وكذلك في الصوم وساووا ههنا بين الناسي والعامد وهذا اضطراب شديد * وقالوا: ليس تخصيص الله تعالى المتعمد بايجاب الكفارة عليه بموجب ان المخطئ بخلافه وذكروا ما نحتج به نحن ومن وافقنا منهم من النصوص في ابطال القول بدليل الخطاب * قال أبو محمد: وهذا جهل شديد من هذا القائل لأننا إذا أبطلنا القول بدليل الخطاب لم نوجب القول بالقياس بل أبطلناهما جميعا والقياس هو ان يحكم للمسكوت عنه بحكم المنصوص عليه، ودليل الخطاب هو أن يحكم للمسكوت عنه بخلاف المنصوص عليه، وأما هم فتلونوا (4) ههنا ما شاءوا فمرة يحكمون للمسكوت عنه بحكم المنصوص عليه قياسا ومرة يحكمون عليه بخلاف حكمه اخذا بدليل الخطاب، وكل واحد من هذين الحكمين مضاد للآخر، وأما نحن فلا نتعدى القرآن ولا السنة ونوقف أمر المسكوت عنه فلا نحكم له بحكم المنصوص ولا بحكم آخر بخلاف حكم المنصوص لكن نطلب حكمه في نص آخر فلا بد من وجوده ولم نقل قط ههنا: انه لما نص الله تعالى على ايجاب الجزاء والكفارة على قاتل الصيد عمدا وجب أن يكون المخطئ بخلافه ومعاذ الله ان نقول: هذا لكن
(٢١٦)