من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضى حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ويقصر ويحل (2) ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) وذكر باقي الحديث، فكان في هذا الخبر بيان من هو المتمتع الذي يجب عليه الهدى أو الصوم المذكور، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بهذا أصحابه المتمتعين بالعمرة إلى الحج، وهم قوم ابتدؤا الاحرام لعمرتهم في أشهر الحج ثم حجوا في تلك الأشهر، فخرج بهذا الخبر الثابت عن أن يكون متمتعا بالعمرة إلى الحج كل من عمل شيئا من عمرته في غير أشهر الحج كلها أو أكثرها أو أقلها لأنه عليه السلام لم يخاطب بهذا الحكم أحدا من أهل هذه الصفات بلا شك وارتفع الاشكال في أمر هؤلاء بيقين، وأيضا فيقال لمن قال: إن عمل الأكثر من عمرته في أشهر الحج فهو متمتع: من أين لك هذا؟ دون أن يقول: إن من عمل منها شيئا في أشهر الحج فهو متمتع، ولا سبيل إلى دليل على ذلك ويقال له أيضا: من أين لك ان أربعة أشواط من طواف العمرة هو الأكثر؟ بل هو من جملة الأقل لأن العمرة عندك وعندنا إحرام مدة. ثم سبعة أشواط. ثم سبعة أطواف بين الصفا والمروة، فالباقي بعد الأربعة الأشواط قد يكون أكثر مما مضى له من عمل العمرة، ويقال لمن قال: إن عمل من عمرته شيئا في أشهر الحج فهو متمتع: من أين قلت هذا؟ دون أن تقول: ان عمل الأكثر منها في أشهر الحج فهو متمتع، ولا سبيل إلى دليل أصلا، وكلتا الدعوتين تعارض الأخرى وكلتاهما لا شئ، وبالله تعالى التوفيق * وبقى أمر من خرج بعد اعتماره في أشهر الحج إلى بلده أو إلى بلد في البعد مثل بلده، أو إلى وراء ميقات من المواقيت، أو إلى ميقات من المواقيت، أو إلى ما تقصر فيه الصلاة فوجدنا هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله تعالى مراده لم يشترط فيه على من خاطبه بذلك الحكم إقامة بمكة وترك خروج منها أصلا (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى)، (وما كان ربك نسيا)، ولو كان هذا من شرط التمتع لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه حتى نحتاج في ذلك إلى بيان برأي فاسد. وظن كاذب.
وتدافع من الأقوال بلا برهان، وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر الثابت (ويحل ثم ليهل بالحج) بيان بإباحة المهلة بين الاحلال والاهلال، ولا مانع لمن عرضت له منهم رضى