وأيضا فالمكي عندهم إذا تمتع فهو داخل في إساءة أو غير داخل في إساءة لابد من أحدهما، فإن كان داخلا في إساءة فلم لم يجعلوا عليه هديا كالذي جعلوا في القران عليه؟ وإن كان ليس داخلا في إساءة فمن أين وجب أن يدخل إذا قرن في إساءة؟ فهل فيما يأتي به الممرورون أكثر من هذا؟، وأما نحن فليس المكي ولاغيره مسيئا في قرانه ولا في تمتعه بل هما محسنان في كل ذلك كسائر الناس ولافرق، فسقط قول أبي حنيفة لعظيم تناقضه وفساده، وأما مالك، والشافعي فإنهما قاسا القران على المتعة في المكي وغيره * قال أبو محمد: القياس كله خطأ (1) ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الخطأ لأنه لا شبه بين القارن والمتمتع لان المتمتع يجعل بين عمرته وحجه إحلالا ولا يجعل القارن بين عمرته وحجه إحلالا، وأيضا فان القارن عندهما وعندنا لا يطوف إلا طوافا واحدا ولا يسعى إلا سعيا واحدا والمتمتع يطوف طوافين ويسعى سعيين، وأيضا فان القارن لابد له من عمل الحج مع عمرته والمتمتع إن لم يرد أن يحج لم يلزمه ان يحج، والقياس عندهما لا يكون إلا على علة جامعة بين الحكمين ولا علة تجمع بين القارن والمتمتع * (فان قالوا): العلة في ذلك هي إسقاط أحد السفرين قلنا: هذه علة موضوعة لا دليل لكم على صحتها وقد أريناكم بطلانها مرارا، وأقرب ذلك ان من أحرم وعمل عمرته في آخر يوم من رمضان ثم أهل هلال شوال إثر احلاله منها ثم أقام بمكة ولم يبرح حتى حج من عامه ذلك فلا هدى عليه عندهما ولاصوم، وقد أسقط أحد السفرين، وكذلك من قصد إلى ما دون التنعيم داخل العام لحاجة فلما صار هنالك وهو لا يريد حجا ولا عمرة بداله في العمرة فاعتمر من التنعيم في آخر يوم من رمضان، ثم أقام حتى حج من عامه فلا هدى عليه ولاصوم عندهما، وهو قد أسقط السفرين جميعا سفر الحج وسفر العمرة، ثم يقولان فيمن حج بعده بساعد إثر ظهور هلال شوال فاعتمر، ثم خرج إلى البيداء على أقل من بريد (2) من المدينة عند الشافعي أو إلى مدينة الفسطاط وهو من أهل الإسكندرية عند مالك ثم حج من عامه: فعليه الهدى أو الصوم وهو لم يسقط سفرا أصلا، فظهر فساد هذه العلة التي لا علة أفسد منها ولا أبطل، وبالله تعالى التوفيق * واحتج بعض أهل المعرفة ممن يرى الهدى في القران بأن قال: قد صح عن سعد ابن أبي وقاص. وعلي بن أبي طالب. وعائشة أم المؤمنين. وعمران بن الحصين. وعبد الله ابن عمر أنهم سموا القران تمتعا. وهم الحجة في اللغة، فإذ القران تمتع فالهدى فيه، أو الصوم بنص القرآن في إيجاب ذلك على التمتع *
(١٦٨)