قلت: إن كان العقل مستقلا بلزوم إقامة الشهادة هنا فإن من الممكن أن يقال بأن الأدلة اللفظية والاجماع كلها واردة في مورد حكم العقل وأنها ارشادية لا مولوية، إلا أن استقلال العقل بلزوم الشهادة لئلا يحكم على المدعى عليه بغير حق، أو لئلا يضيع حق أحد في مرافعة مالية فيه تأمل، نعم إقامة الشهادة زورا وكذبا إن ترتب عليها ضياع حق ظلم قبيح عقلا.
وأما في مثال الثوب الذي ذكره ونحوه فإن الموجب لحفظه ووجوب رده هو وقوعه تحت اليد، ولذا لا يفتى بوجوب أداء الشهادة فيما لو وقع الثوب الذي أطارته الريح في دار غيره من باب وجوب حفظ مال الغير، هذا بالإضافة إلى أن أدلة وجوب حفظ الأمانة منصرفة عن إقامة الشهادة.
وعلى الجملة: فإنا نحكم بلزوم الإقامة في كل مورد كان الظلم مستندا إلى ترك الشهادة، ومن هنا نقول بالضمان عليه فيما إذا ضاع حقه على أثر شهادته أو تركها، وأما في غير ذلك فلا استقلال للعقل باللزوم.
هذا ولم يتضح لنا معنى عبارة الجواهر: (بما دل عليه العقل المقطوع به من النقل كتابا وسنة.) (1).
وأجاب صاحب الجواهر عن النصوص بحملها على عدم توقف الحق على الشهادة، وهو الذي ذهب إليه صاحب الوسائل في عنوان الباب حيث قال:
(باب إن من علم بشهادة ولم يشهد عليها جاز له أن يشهد بها ولم يجب عليه إلا أن يخاف ضياع حق المظلوم) وبذلك جمع بين هذه النصوص وما دل على وجوب الشهادة إذا علم من الظالم، فيما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: