والحاصل أنه إذا لم تكن توبته بقصد القربة فليست توبته حقيقية، لأن عدم التوبة الحقيقية كما يكون بعدم الندم الواقعي بل إنه يتظاهر بالندم لأجل قبول شهادته، كذلك يكون بعدم قصد القربة وإن كان نادما وتاركا واقعا، كمن ترك معصية لأنها تضر ببدنه ومزاجه. فهما في عدم تحقق التوبة على السواء قلت: إن من ترك معصية حفظا لبدنه فهو تائب لغة، لأن التوبة هي الرجوع عما كان يفعل، اللهم إلا أن يقال بأن قبولها مشروط بالقربة، فمن ترك شرب الخمر حفظا لصحته لم تحصل منه التوبة المقبولة. لكن في الجواهر: إن هذه التوبة منه معصية أخرى، ولعله يريد أن ذلك اصرار منه على ترك التوبة أو أنه بدعة، وإلا فإن وجه ما ذكره غير واضح.
وقيل كما في القواعد وكشف اللثام إن هذه التوبة من مصاديق التهمة، فوجه عدم قبول شهادته هي التهمة لا ما ذكره صاحب الجواهر.
وأما أنه هل يعتبر في التوبة الاخلاص فيكون من الواجبات التعبدية أو لا يعتبر فيكون من الواجبات التوصلية؟ فإن هذا بحث كلامي، فصاحب التجريد يعتبر في التوبة كون ترك الذنب من جهة كونه قبيحا، ومن هنا يعتبر فيها أن يكون الترك لجميع المعاصي لا لخصوص ما يرتكبه، لاشتراكها جميعا في القبح. وأما إذا كان السبب في الترك هو الضر للبدن فلا ملازمة بين ترك ما كان يفعله وترك غيره من الذنوب، إذ قد لا يكون في غيره ضرر على بدنه فلا يتركه.
إنما الكلام في قبول توبة من تاب خوفا من عذاب الله وعدم قبولها، ففي التجريد وشرحه للعلامة عدم القبول، لاشتراط كون التوبة لله، وفيه تأمل، لأن التوبة من عذاب الله لا ينافي الاخلاص، إذ العقاب إنما يجعل على المخالفة لأن يكون رادعا للعبد عن المخالفة وداعيا إلى الإطاعة، فكيف لا تكون التوبة لهذا الداعي مقبولة؟ إن التوبة من الذنب فرارا من العذاب