فروي عن محمد بن مسلم الثقفي، أنه قال مر بي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وأنا جالس عند قاضي المدينة، فدخلت عليه من الغد، فقال لي ما مجلس رأيتك فيه بالأمس، قلت جعلت فداك، إن هذا القاضي لي مكرم، فربما جلست إليه، فقال لي عليه السلام وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعم جميع من في المجلس (1).
فلفظ هذا الحديث ومعناه مطابق لما تقرر الشرع به، من وجوب إنكار المنكر وقبح الرضا به والحكم بالجور من أعظم المنكرات، فمجالس الحكام به لغير الإنكار والتقية، راض بما يجب إنكاره من الجور، فاستحقا اللعنة معا، وإذا كانت هذه حال الجليس، فحال الحاكم بالجور ومقلده النظر والتحاكم إليه، والآخذ بحكمه، أغلظ، لارتفاع الريب في رضاء هؤلاء بالقبيح.
فإذا ثبت وتقرر ذلك فإنه لا يصح الحكم إيجابا، ولا حظرا، ولا تمليكا، ولا منعا، ولا إلزاما، ولا إسقاطا، ولا إمضاء، ولا فسخا، إلا عن علم بما يقتضي ذلك، أو إقرار المدعى عليه، أو ثبوت البينة بالدعوى، أو يمين المدعى عليه، أو المدعي مع نكول المدعى عليه، دون ما عدا ذلك.
فإذا ثبت ذلك، فعلم الحاكم بما يقتضي تنفيذ الحكم كاف في صحته، ومغن عن إقرار وبينة ويمين، سواء علم ذلك في حال تقلد الحكم أو قبلها، لسكون نفس العالم إلى ما علمه في حال حكمه بمقتضاه، سواء كان علمه حادثا في الحال، أو باقيا إليها، أو متولدا عن أمثاله المعلومة المسطورة، أو حادثا، حالا بعد حال في كيفية التعلق بالمعلوم على حد واحد، وانتفاء الشبهة عنه في صحته، وعدم السكون بصحة الدعوى مع الإقرار أو البينة أو اليمين، وانتفاء الثقة بشئ من ذلك، وإنما يعلم الحاكم مع الإقرار أو الشهادة أو اليمين، صحة التنفيذ متى علم التعبد، دون صدق المدعي مع ذلك، أو المدعى عليه مع يمينه، وهو مع العلم عالم بالأمرين، صدق المدعي في الدعوى، وصحة الحكم بها.