أصلا فيها، وتعذر الحكم فيها من دونه مسقطا لهاتين الدعوتين، وكيف يشتبه فسادهما على عارف بالتكليف الموقوف صحته في الأصول والفروع على العلم وحصول اليقين، بفساد (1) حكم الظن فيهما (2)، مع إمكان العلم، وبالظن مع تعذر العلم بالمظنون (3) غير مستند إلى علم، وكيف يجتمع له اعتقاد ذلك مع علمه بصحة الحكم مع ظن صدق المدعي أو المنكر، ونفي الحكم مع العلم بصدق أحدهما، لولا جهل الذاهب إلى ذلك بمقتضى التكليف، وطريق صحة العمل فيه، وتعويله على استحسان فاسد، ورأي فايل (4)، أو ليس العلم حاصلا لكل سامع للأخبار، بإمضاء رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم بالعلم لخزيمة بن ثابت الأنصاري، وسماه لذلك لذلك ذا الشهادتين (5).
وأيضا ما حكم به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في قضاء الأعرابي والناقة، لعلمهما بصدقة صلوات الله عليه وعلى آله بالمعجز (6).
مع ما ينضاف إلى ذلك من مشهور إنكار أمير المؤمنين عليه السلام على شريح القاضي لما طالبه بالبينة على ما ادعاه عليه السلام في درع طلحة، ويلك أو ويحك خالفت السنة بمطالبة إمام المسلمين ببينة، وهو مؤتمن على أكثر من هذا (7)، فأضاف الحكم بالعلم إلى السنة على رؤوس الجمع من الصحابة والتابعين، فلم ينكر عليه منكر.
وهذا مع ما تقدم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، برهان واضح على جهل طالب البينة مع العلم، وكونه مقدما عليهما.
وليس للمخالف فيما نصرناه أن يمنع منه لظنه أن الحكم بالعلم، يقتضي تهمة الحاكم، لأن ذلك رجوع عن مقتضى الأدلة استحسانا، ولا شبهة في فساده.
على أن ذلك لو منع من الحكم بالعلم، لمنع من الحكم بالشهادة والإقرار