وحاصله: أنه إذا لم يكن للنفس اكتناه نور الشمس التي ليس له رتبة أضعف الأنوار العقلية بالمشاهدة الحضورية والإضافة الإشراقية على ما هو مناط الرؤية عند الرواقيين وأتباعهم فيمتنع اكتناهه تعالى الذي هو أقوى الأنوار العقلية كلها وأقهرها وأشدها بما لا يتناهى على الطريق الأولى.
فإن قيل: إذا جوزت كون ذاته تعالى معلوما بالشهود الإشراقي للنفوس المتألهة ولا شك أن المشهود بشهود الإشراقي إنما هو عين حقيقته البسيطة لا وجه من وجوهه فكيف لا يكون معلوما بالكنه والمشهود لا يكون إلا نفس حقيقته الصرفة لا غير.
قلنا: لعله لا يمكن للممكنات مشاهدة ذاته تعالى إلا من وراء حجاب أو حجب حتى المعلول الأول فهو أيضا لعله لا يشاهد ذاته إلا بواسطة مشاهدة نفس ذاته فيكون شهود الحق له بسبب شهود ذاته وبحسبه لا بحسب ما هو المشهود عليه.
وهذا لا ينافي الفناء الذي ادعوه فإنه إنما يحصل بترك الالتفات إلى الذات والإقبال بكلية الذات إلى الحق وترك الالتفات إلى الذات لا يستلزم نفي العلم بها.
ويؤيد هذا ما في الفصوص (للشيخ الأعرابي) وشرحه بعد تبيين الحجب الظلمانية والنورية وأنها عين العالم والعالم عين الحجاب على نفسه أي الحاجب إياها عن شهود الحق.
وإذا كان العالم عين الحجاب فهو يدرك نفسه بلا حجاب ويدرك الحق من وراء الحجاب.
فلا يدرك أي العالم الحق إدراكا يماثل إدراكه أي إدراك العالم نفسه فإن إدراكه نفسه إدراك ذوقي شهودي من غير حجاب وإدراك العالم إياه من وراء الحجاب فلا يزال العالم في حجاب أي في حجاب تعينه وإنيته عن إدراك الحق لا يرتفع ذلك الحجاب عنه بحيث لم يصر مانعا عن الشهود ولم يبق