وذكر أحوال الملكوت والجبروت والتشبه بها وبالمقربين من عباد الله المخلصين يوجب عروج القلب والروح إلى الحضرة القدسية والإقبال على الحق والاستفاضة عن عالم الأنوار وتلقي المعارف والحقائق والاستمداد من ملكوت السماوات والأرض فوضعت عبادة شاملة لهيئات الخضوع والخشوع وإتعاب الجوارح مع شرائط التنظيف والتنزيه وقصد القربة وصدق النية والأذكار المذكرة لنعم الله وثنائه بما يليق بحضرته وغايتها التذلل لعظمته والإذعان لأمره وحكمته.
فإن لكل علة مع معلولها ولكل لازم مع ملزومه مناسبة شديدة فيكون حصول ما يناسب أحدهما معدا لحصول ما يناسب الآخر فيكون قراءة الكلام النازل في اللوح الإلهي سيما حين الاتصال بعالم النور عند تدبر معانيه والتفكر في حقائقه معدة لهيئات قدسية مطلوبة في الصلاة التي هي معراج المؤمن.
ولا شبهة في أن تكرار الأفعال والحركات يوجب حدوث الملكات والأخلاق.
ثم إنا قد بينا سابقا أن الحركات العلوية مبدؤها العلاقة الشوقية الحاصلة في الأجرام الكريمة الفلكية ومنتهاها الإشراقات الفائضة عليها من عللها وأسبابها بتحريك مبدأ الكل لها وتشويقه إياها إليه فمنه مبدؤها وإليه مرجعها في دورية حركاتها وهو الذي أفاد فيها شوقا أوجب لها بطواف الأطراف. فلله در طائفة بالكعبة طائفة تقربا إلى الله وطلبا لمرضاته.
والزكاة يوجب صرف النفس عن التوجه إلى الأمور الدنية البدنية وفيها تحصيل لملكة الالتفات إلى غير الله وعدم الأمر بتركها بالكلية لصلاح العالم وانتظامه.
فإن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير مع أن دفع الشر به بوجه آخر والأمر بإيثار على الفقراء لأنهم أحوج إلى الخلق إلى إعطائه وهو عندهم ألذ وتوجه لنفوسهم إليه أشد.
وأيضا منافع الدنيا كثيرة وحبسها على بعضها قبيح عقلا وكلما كان احتياج الخلق إليه أكثر وجب أن يكون شركة الناس فيه وتوزيعه عليهم أوفر ولذلك أوجب في الأقوات العشر وفي النقود ربعه.