ذاته لضعف وجوده وخسة جوهره كالهيولى وضرب مبذول من جهته لكونه على التمام والكمال كالباري عز سلطانه إذ هو على الدرجة العليا من التمام والغاية القصوى من الكمال لكنه يغلب إشراقه العقلي على بصائر القلوب ويقهرها ويعجزها عن إدراك نوره النافذ ولمعانه الشديدة فيرجع عنه كليلة حيرة وهذان الضربان كل منهما في غاية البعد عن الآخر بحسب الذات وفي الطرف الأقصى من سلسلة الوجود المترتبة في الكمال والنقص المتدرجة في الشرف والخسة فيكون أحدهما في غاية البهاء والكمال والآخر في نهاية الخسة والنقص كالباري تعالى والهيولى وما يتلو كل منهما قوة وضعفا يتلوه ظهورا وخفاء وما يكون متوسطا بين الأمرين ذا قسط من الجانبين فهو الذي يقوي القوى البشرية على إدراكه والإحاطة به كالأجسام والألوان وسائر الكيفيات والكميات ولذلك كان معرفة الأجرام والأبعاد عليها أسهل من معرفة سائر الأشياء.
فقد تبين وتحقق من ذلك أنا حيث كنا متلبسين بالمادة وكانت هي السبب في أن صارت جواهرنا بحسب التعلق بها بعيدة عن الحق الأول فيكون أذهاننا وعقولنا ممنوعة عن إدراكه تعالى لبعدها عن منبع الوجود من قبل سنخ ذاتها ومقارناتها للمادة لا من قبله.
فإنه لعظمته وسعة رحمته وشدة نوره النافذ وعدم تناهيه أقرب إلينا من كل الأشياء لتناهيها وعدم تناهيه كما أشار إليه في كتاب المجيد و نحن أقرب إليه من حبل الوريد وفي قوله تعالى: و إذا سألك عبادي عني فإني قريب فهو سبحانه في العلو الأعلى من جهة كماله الأقصى والدنو الأدنى من جهة سعة رحمته وإحاطة علمه بالأشياء فهو العالي في دنوه والداني في علوه وإليه أشير في الحديث لو دليتم بأرض السفلى لهبطتم على الله.