وكلما بعدت جواهرنا عن المادة كان إدراكنا له تعالى أتم وتعقلنا له أتقن وإذا فارقناها على التمام فحينئذ يصير معقولنا منه أكمل ما يكون قبل ذلك ومع ذلك لا ندركه حق إدراكه وما نعرفه حق معرفته لتناهى قوة عقولنا وعدم تناهيه في الكمال بل هو وراء ما لا يتناهى فيجب الاعتراف بالعجز عن معرفته وهذا غاية معرفته.
قال يعقوب بن إسحاق الكندي: إذا كانت العلة الأولى متصلة بنا لفيضه علينا وكنا غير متصلين به إلا من جهة فقد يمكن فينا ملاحظته على قدر ما يمكن المفاض عليه أن يلاحظ المفيض فيجب أن لا ينسب قدر إحاطته بنا إلى قدر ملاحظتنا له لأنه أعز وأوفر وأشد استغراقا وإذا كان الأمر كذلك فقد بعد عن الحق بعدا كثيرا من ظن أن العلة الأولى لا يعلم بالجزئيات.
وقال المحقق الشهرزوري في الشجرة الإلهية: الواجب لذاته أجمل الأشياء وأكملها لأن كل جمال وكمال في الوجود فإنه رشح وفيض وظل من جماله وكماله فله الجمال الأبهى والكمال الأقصى والجلال الأرفع والنور الأقهر تعالى وتقدس عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.
فهو محتجب بكمال نوريته وشدة ظهوره.
والحكماء المتألهون العارفون به يشاهدونه لا بالكنه لأن شدة ظهوره وقوة لمعانه وضعف ذواتنا المجردة النورية يمنعنا عن مشاهدته بالكنه كما منع شدة ظهور الشمس وقوة نورها أبصارنا عن اكتناهها لأن شدة نوريتها حجابها.
فنحن نعرف الحق الأول ونشاهده لكن لا نحيط به علما كما ورد في الوحي الإلهي و لا يحيطون به علما.
وقوله: لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار انتهى كلامه.