لا أينية له هو نحن فأعياننا أين لظهوره فحقيقة المكان لا تقبل المكان ودع عنك من يقول المتمكن في المكان مكان لمكانه وفرض بين التمكن والمكان حركتين متضادتين تعطي حقيقة المكانية لكل واحد منهما وهذا من قائله توهم من أجل ما ذهب إليه والحقيقة هي ما قررناه من أن المكان لا يقبل المكان فلا أين للأين لمن هو أين له وهذا كله في المظاهر الطبيعية وأما في المعاني المجردة عن المواد فهي المظاهر القدسية للأسماء التي لا تقبل نسب التشبيه فالعلم بها أن لا علم كما روى عن الصديق أنه قال في مثل ما ذكرناه العجز عن درك الإدراك إدراك فانقلب التنزيه عن الأين لمن يقبل التشبيه فلا تشبيه في العالم ولا تنزيه فإن الشئ لا يتنزه عن نفسه ولا يشبه بنفسه فقد تبينت الرتب وعلم ما معنى النسب والحمد لله وحده أن علم عبده (السؤال الثاني والخمسون) أين خزائن سعى الأعمال الجواب ذوات العمال فإن أراد تجسد هذا السعي فخزانته الخيال وإن أراد أين يختزن ففي سدرة المنتهى فإن أراد ما لها من الخزائن الإلهية فخزانة الاسم الحفيظ العليم واعلم أن خزائن هذا السعي خمس خزائن لا سادسة لها وعباد الله رجلان عامل ومعمول به فالمعمول به ليس هو مقصودنا في هذا الباب من هذا الفصل وإنما مقصودنا سعى الأعمال من حيث نسبتها إلى العاملين والعاملون ثلاثة عامل هو حق وعامل بحق وعامل هو خلق وكل له سعى في العمل بحسب ما أضيف إليه فإن الله قد نسب الهرولة إليه وهي ضرب من السعي سريع وقد قال إن الله لا يمل حتى تملوا ثبت هذا في الحديث الصحيح فأما سعى العمل الذي هو حق فالعمل يطلب الأجر بنفسه ليجود به على عامله والعامل هنا ما يعطي حقيقته قبول الأجر ولا بد من الأجر فيكون إذا الأجر الثناء لا غير فإنه يقبل الثناء هذا العامل الذي هو حق ولا يقبل القصور ولا الحور ولا الولدان ولا التجليات فإن كان العمل مما يتضمن الحسن والقبح أو لا حسن ولا قبح فلا يضاف العمل إلى هذا العامل من حيث ما هو محكوم عليه بحسن أو قبح أو لا حسن ولا قبح بل يضاف إليه معرى عن الحكم بنفي أو إثبات وصاحبه أكمل الناس نعيما في الجنة ولذة وأرفعهم درجة وما له من الجنات من حيث هذا العمل سوى جنة عدن والعمل يطلب نصيبه في جميع الجنان من حيث ما هو عمل لا غير فيعود به على صاحبه بل يكون له مركبا إلى كل درجة في جميع الجنات وهو المراد بقوله تعالى عنه نتبوأ من الجنة حيث نشاء إلى هنا وقوله فنعم أجر العاملين ليس هم هؤلاء بل العاملون بحق وبخلق إلا أن يريد بقوله نعم أجر العاملين الثناء فهو لهم فإن لفظة نعم وبئس للمدح والذم والعامل هنا حق والثناء له حق ونعم كلمة محمدة ومدح فيكون بهذا التأويل تمام الآية له والتبوؤ في الجنات للعمل لا له فالمحل الذي ظهر فيه العمل وهو أنت هو الذي يتبوأ من الجنة بعناية عمله الظاهر فيه ما شاء إذ الصورة الطبيعية منه تطلب النعيم المحسوس والمتخيل فلهذا أبيحت الجنات له بحكم مشيئته بشفاعة العمل الحق فخزائن هذا السعي كلها أنوار مباحها ومندوبها وواجبها ومحظورها ومكروهها في حكم الظاهر المقرر عند علماء الرسوم ممن ليس له كشف منهم وهو عند علماء الرسوم الذين لهم الكشف الأتم في معرفة الشرائع أعني هذا الذي ظهر فيه هذا العمل على هذه الصفة ما تصرف إلا فيما حسنه الشرع وقبله ولكن أكثر الناس لا يعلمون وأما سعى من كان عمله بحق فيقرب من هذا أنه لما شاهد ذاته عاملة وهو من أهل إياك نعبد وإياك نستعين ومن أهل لا حول ولا قوة إلا بالله نقص عن ذلك الأول فكان صاحب كشف في عمله لاخذ الحق بناصيته في جميع ما يتصرف فيه فامتلأت خزائنه الخمسة عندنا والستة عند أبي حنيفة نورا خالصا ونورا غير خالص ونورا مزيلا لظلمة كانت قبله فكان ممتزج الأحوال فلو لا عناية هذا الحضور والكشف في حال السعي لما تم له هذا السعد الذي حصل له من إزالة ظلمته فهذان الصنفان من أصحاب الأعمال في النور فلهم أجرهم ونورهم وأما من كان سعى عامله خلق فترفع له خزائن الواجبات أعني الفرائض في العمل والترك والمندوبات في العمل والترك ممتلئة نورا مشوبا بكون دون أنوار من ذكرناهم وترفع لهم خزائن المباحات فارغة في العمل والترك إلا من ترك المباح أو عمله لكونه مباحا ففيها نور يليق بهذا النوع فكأنه نور من وراء حجاب مثل ضوء الشمس من خلف السحاب الرقيق فإن نظر إلى تضمن ذلك المباح ترك محظور أو مكروه ولم يخطر له ترك واجب أو مندوب فإن نوره يكون أتم قليلا وأضوأ من النور الأول المعرى
(٧٥)