بما علمه من الأسماء التي ما تولى بها ملائكته ومنها الخلافة وهي قوله إني جاعل في الأرض خليفة فإن كان قوله خليفة لقوله وفي الأرض إله فهو نائب الحق في أرضه وعليه يقع الكلام وإن أراد بالخلافة أنه يخلف من كان فيها لما فقد فما نحن بصدد ذلك وكان المقصود النيابة عن الحق بقوله خليفة لقولهم من يفسد فيها ويسفك الدماء وهذا لا يقع إلا ممن له حكم ولا حكم إلا لمن له مرتبة التقدم وإنفاذ الأوامر فأما مقصود السائل فإنه يريد الخلافة التي هي بمعنى النيابة عن الله في خلقه فأقامه بالاسم الظاهر وأعطاه علم الأسماء من حيث ما هي عليه من الخواص التي يكون عنها الانفعالات فيتصرف بها في العالم تصرفها فإنه لكل اسم خاصة من الفعل في الكون يعلمها من يعلم علم الحروف وترتيبها من حيث ما هي مرقومة ومن حيث ما هي متلفظ بها ومن حيث ما هي متوهمة في الخيال فمنها ما له أثر في العالم الأعلى وتنزيل الروحانيات بها إذا ذكرت أو كتبت في عالم الحس ومنها ما له أثر في العالم الجبروتي من الجن الروحاني ومنها ما يؤثر ذكره في خيال كل متخيل وفي حس كل ذي حس ومنها ما له أثر في الجانب إلا حي الأعلى الذي هو موضع النسب ولا يعرف هذا التأثير الواحد وأسماءه إلا الأنبياء والمرسلون سلام الله عليهم وهي أسماء التشريع والعمل بتلك الشرائع هو المؤثر في هذا الجناب النسبي وهو جناب عزيز لا يشعر به جعله الحق سبحانه موضع أسراره ومجلى تجلياته وهو الذي يعطي النزول والاستواء والمعية والفرح والضحك والمقدار وما يفهم منه من الآلات التي لا تكون إلا لذوات المقادير والكميات والكيفيات وقال تعالى وهو الذي في السماء إله فجاء بالهوية بما ينبغي أن يظهر به في السماوات من الألوهية بالاسم الذي يخصها وفي الأرض إله بالاسم الذي ينبغي أن يظهر به في الأرض من كونه إلها فكان آدم نائبا عن هذا الاسم وهذا الاسم هو باطنه وهو المعلم له علم التأثيرات التي تكون عن الأسماء الإلهية التي تختص بالأرض حيث كانت خلافته فيها وهكذا هو كل خليفة فيها ولهذا قال جعلكم خلائف في الأرض أي يخلف بعضنا بعضا فيها في تلك المرتبة مع وجود التفاضل بين الخلفاء فيها وذلك لاختلاف الأزمان واختلاف الأحوال فيعطي هذا الحال والزمان من الأمر ما لا يعطيه الزمان والحال الذي كان قبله والذي يكون بعده ولهذا اختلفت آيات الأنبياء باختلاف الأعصار فآية كل خليفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه أي شئ كان من طب أو سحر أو فصاحة وما شاكل هذا وهو قوله ورفع بعضكم فوق بعض درجات يقول للخلفاء ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم وهاتان الصفتان لا تكونان إلا لمن بيده الحكم والأمر والنهي فهذا النسق يقوي أنه أراد خلافة السلطنة والملك وهي التولية الإلهية وأعظم تأثيراتها الفعل بالهمة من حيث إن النفس ناطقة لا من حيث الحرف والصوت المعتاد في الكلام اللفظي فإن الهمة من غير نطق النفس بالنطق الذي يليق بها وإن لم يشبه نطق اللسان لا يكون عنها انفعال بوجه من الوجوه عند جماعة أصحابنا وأوقعهم في هذا الإشكال حكم النيابة عن الله الذي إذا أراد شيئا وهو المعبر فينا بالهمة أن يقول له كن فيكون وهو المعبر عنه فينا بالنطق أو الكلام بحسب ما يليق بالمنسوب إليه ذلك فما اكتفى سبحانه في حق نفسه بالإرادة حتى قرن معها القول وحينئذ وجد التكوين ولا يمكن أن يكون النائب عنه وهو الخليفة بأبلغ في التكوين ممن استخلفه فلهذا لم يقتصروا على الهمة دون نطق النفس وأما نحن فنقول بهذا في موطنه وهو صحيح غير أن الذات غاب عنهم ما تستحقه لكون المرتبة لا تعقل دونها فكان كون المرتبة إنما هو عن الذات بلا شك لأن الذات تطلبها طلبا ذاتيا لا طلبا يتوقف على همة وقول بل عين همتها وقولها هو عين ذاتها فكون الألوهة لها هو ما يكون عن ذات الخليفة من حيث إنها ذات خليفة فهي الذات الخلافية لا ذات الخلق التي هي نشأة جسمه وروحه ومع هذا فلا بد من النسب الثلاث لوجود التكوين عقلا في موازين العلوم وشرعا فأما في العقل فأصحاب الموازين يعرفون ذلك وأما في الشرع فإنه قوله إنما قولنا فهذا الضمير الذي هو النون من قولنا عين وجود ذاته تعالى وكناية عنه فهذا أمر واحد وقوله إذا أردناه أمر ثان وقوله أن نقول له كن أمر ثالث فذات مريده قائلة يكون عنها التكوين بلا شك فالاقتدار الإلهي على التكوين لم يقم إلا من اعتبار ثلاثة أمور شرعا وكذلك هو الانتاج في العلوم بترتيب المقدمات
(٦٨)