وتحقق ما أشرنا إليه فإن أعيان الممكنات ما استفادت إلا الوجود والوجود ليس غير عين الحق لأنه يستحيل أن يكون أمرا زائدا ليس الحق لما يعطيه الدليل الواضح فما ظهر في الوجود بالوجود إلا الحق فالوجود الحق وهو واحد فليس ثم شئ هو له مثل لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان أو متمائلان فالجمع على الحقيقة كما قررناه أن تجمع الوجود عليه فيكون هو عين الوجود وتجمع حكم ما ظهر من العدد والتفرقة على أعيان الممكنات إنها عين استعداداتها فإذا علمت هذا فقد علمت معنى الجمع وجمع الجمع ووجود الكثرة وألحقت الأمور بأصولها وميزت بين الحقائق وأعطيت كل شئ حكمه كما أعطى الحق كل شئ خلقه فإن لم تفهم الجمع كما ذكرناه فما عندك خبر منه وأما إشارات الطائفة التي سردناها فإن لهم في ذلك مقاصد أذكرها إن شاء الله مع معرفتهم بما ذهبنا إليه أو معرفة الأكابر منهم وأما قول من قال منهم إن الجمع حق بلا خلق فهو ما ذهبنا إليه أن الحق هو عين الوجود غير أنه ما تعرض لما أعطته استعدادات أعيان الممكنات في وجود الحق حتى اتصف بما اتصفت به وأما قول الدقاق في الجمع إنه ما سلب عنك فإنه يقتضي مقامه أن يريد سلب ما وقعت فيه الدعوى منك وهو له كالتخلق بالأسماء الحسنى ونسبة الأفعال إليك وهي له هذا يعطيه حال الدقاق لا الكلام فإنه لو قال غيره هذه الكلمة ربما قالها على أنه يريد بقوله ما سلب عنك عين الوجود فإنه الذي سلب عنك إذ كان عين الوجود وأما قول الآخر إن الجمع ما أشهدك الحق من فعله بك حقيقة فإنه يريد أنك محل لجريان أفعاله والأمر في الحقيقة بالعكس بل هو المنعوت بحكم آثار استعدادات أعيان الممكنات فيه إلا أن يريد بقوله من فعله بك أي بك ظهر الفعل ولم يتعرض لذكر فيمن ظهر الأثر فقد يمكن أن يريد ذلك وهو ما ذهبنا إليه وما تعطيه الحقائق فلو علمنا من هو صاحب هذا القول حكمنا عليه بحاله كما حكمنا علي الدقاق لمعرفتنا بمقامه وحاله وأما قول من قال الجمع مشاهدة المعرفة فاعلم إن المعرفة بالله تعطي أن للعبد نسبة إلى العمل صحيحة أثبتها الحق ولذلك كلفه بالأعمال وللحق تعالى نسبة إلى العمل أثبتها الحق لنفسه وشرع لعبده أن يقول في عمله وإياك نستعين وقال موسى كليم الله وأعلم الخلق بالله رسل الله فقال لقومه استعينوا بالله واصبروا ولا فرق عندنا بين ما يقوله الله أو يقوله رسول الله من نعت الله في الصحة والنسبة إليه وقال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ثم فصل سبحانه وبين ما يقول العبد ويقول الله فنسب القول إلى العبد نسبة صحيحة والقول عمل وهو طلب العون من الله في عمله ذلك فصحت المشاركة في العمل فهذا قد جمعت في العمل بين الله وبين العبد فهذا معنى الجمع فقد قررت إن عين العبد مظهر بفتح الهاء وأن الظاهر هو عين الحق وأن الحق أيضا عين صفة العبد وبالصفة وجد العمل والظاهر هو العامل فإذا ليس العمل إلا لله خاصة قلنا وعند ما قررنا ما ذكرته قررنا أيضا أن عين العبد لها استعداد خاص مؤثر في الظاهر وهو الذي أدى إلى اختلاف الصور في الظاهر الذي هو عين الحق فذلك الاستعداد جعل الظاهر أن يقول وإياك نستعين يخاطب ذلك الظاهر بأثر استعداد هذا العين المصلية حكم الاسم المعين أن يعينه على عمله فإن عين الممكن إذا كان استعداده يعطي عجزا وضعفا ظهر حكمه في الظاهر فقول الظاهر هو لسان عين الممكن بل قول الممكن بلسان الظاهر كما أخبر الحق أنه قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فأعطت المعرفة أن تجمع العمل على عامله لما وقع في ذلك من الدعاوي بما قد ذهب إليه أصحاب النظر القائلين بإضافة الأفعال إلى العباد مجردة والقائلين بإضافة الأفعال إلى الله مجردة والحق بين الطائفتين أي بين القولين فللعبد إلى العمل نسبة على صورة ما قررناها من أثر استعداد عين الممكن في الظاهر وللحق نسبة إلى العمل على صورة ما قررناه من قبول الظاهر لتأثير العين فيه فإن العبد قال على لسان أثره في الظاهر إياك نعبد وإياك نستعين وهذا مذهبنا في الجمع فإن كان صاحب القول في الجمع أراد أنه مشاهدة المعرفة ويعرف معنى مشاهدة المعرفة فهو على ما قلناه فنحن إنما تكلمنا على معنى مشاهدة المعرفة لا على مقام قائلها إذ لهذه اللفظة وجوه نازلة عما ذهبنا إليه في شرحها فشرحناها على أتم الوجوه وأكملها وهو الذي الأمر عليه في نفسه ومن أجل بعض تلك الوجوه اعترضنا على قائل هذه اللفظة في مختصر هذا الكتاب وإلى ما قررناه وذهبنا إليه في الجمع ترجع أقوال الجماعة التي ذكرناها وحكيناها في أول الباب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
(٥١٧)