والحبة السوداء من الحنطة، وبخاصة الحبة السوداء لأنها أردأ من الزوان. وكذلك الحبة السوداء المستديرة الموجودة في العدس، فإنها لا يصلح أكلها، ولذلك وجب أن نستقصي تنقية الحبوب جدا، ثم تنفض من التراب والغبار وتغسل ليزول عنها ما يلزق بظاهرها مما لا ينتفع به. فإن بقي فيها بعد ذلك طعم قوي (1) لا يصلح للاكل مثل حرافة قوية أو مرارة أو ملوحة أو حموضة أو عفوصة أو تفاهة، أزلنا ذلك عنها بالانقاع في الماء أو بالسلق.
فما كان منها الغالب عليه العفوصة، سلقناه بالماء العذب القراح وشئ من ملح. وما كان منها الغالب عليه الملوحة، أنقعناه في الماء العذب. وما كان منها الغالب عليه التفاهة، طيبناه بالخل والملح والزيت أو بالمري والزيت فقط. وما كان منها الغالب عليه المرارة، وكان مما يسلق، سلقناه بالماء العذب وشئ من ملح، وإن كان مما لا يسلق، أنقعناه في الماء والملح. فإن كان فيه مع مرارته، ليانة في جسمه ودهنية، كان إصلاحه في الملح فقط. وما كان منها الغالب عليه الحرافة، جعلنا في الماء الذي يسلق به خل، واستعملناه بعد ذلك بالزيت أو بغيره من الادهان والأشياء الدسمة، لتقمع حرافته وتسلم المعدة والمعاء من أذيته. إلا أنه يجب أن يكون الدهن المستعمل مع كل غذاء على حسب طبيعة المستعمل له، وطبيعة السبب الذي يقصد الدهن له، لان الدسم والدهنية يحتاج إليهما في الغذاء لسببين جنسيين: أحدهما: تطييب الغذاء وإصلاحه، وتليين خشونة أو صلابة إن كانتا فيه، أو قمع حدة أو حرافة إن كانتا له. والسبب الآخر: لعلل شتى يحتاج فيها إلى الاهان، مثل تفتيح السدد وتسهيل البول، أو لتليين الثفل وإخراجه أو لحبس البطن وقطع الاسهال، أو لجلب النوم.
فمن أراد استعمال الزيت أو الدهن لتطييب الغذاء وإصلاح خشونة فيه أو صلابة، أو لقمع حدته وحرافته، كان أفضل الادهان لمثل ذلك ما لم يكن له رائحة شديدة وطعم قوي، مثل الزيت المعروف بالانفاق المستخرج من الزيتون الأخضر بالماء الحار، أو دهن اللوز ودهن السيرج المعروف بدهن الخل (2)، لان هذه الادهان من شأنها أن تفيد الطعام لذاذة وليانة. ومن أراده لتفتيح سدد أو لسعال، فيقصد دهن اللوز الحلو، لان معه لدونة يلين بها الصدر، وعذوبة يجلو لها ويفتح المجاري ويغسلها.
ومن أراده لادرار البول، فيأخذ حب البطيخ والقثاء فيقشرهما ويسحقهما ويستعملهما عوضا من الزيت.
ومن أراده لتليين البطن وإخراج الثفل، فيأخذ لب القرطم ويدقه ويمرسه في ماء حار، ويصفيه ويستعمله. ومن أراده لتقوية المعدة وحبس البطن، فيأخذ اللوز الحلو المقشر من قشره الاعلى، ويحمصه بقشره الداخل ويسحقه ويستعمله. أو يأخذ ورق ورد أحمر منقى من أقماعه، فينقعه في زيت أنفاق وهو حار، ويذره فيه يوما وليلة، ويصفيه ويستعمله. ومن أراده لجلب النوم، فيأخذ بزر الخشخاش ويسحقه ويستعمله. ومن أراده للامرين جميعا، أعني لجلب النوم وقطع الاسهال، فيخلط بزر الخشخاش ببعض الادهان الحابسة للبطن.