حين يحلب قبل أن يغيره الهواء. ومتى كان من حيوان أردأ مزاجا وأسقم بدنا وأهزل لحما، كان أذم وأفسد غذاء، لأنه يولد دما مذموما فاسدا، وبخاصة متى كان شربه بعد خروجه من الضرع بمدة أطول.
وأما اختلاف اللبن من غذاء الحيوان ومرعاه، فيكون أيضا على ضروب: وذلك أن من الحيوان ما يرعى الحشيش الغض الطري. ومنه ما يرتعي الحشيش اليابس وأغصان الأشجار الرطبة. ومنه ما يرتعي الحشيش العفص القابض، مثل القرظ (1) والبلوط وقشور أصول شجر السماق. ومنه ما يرتعي الأدوية المسهلة، مثل السقمونيا (2) وبعض اليتوعات (3) وأصل النبات المعروف بقثاء الحمار وما شاكل ذلك.
فما كان منه يرتعي الحشيش الغض الطري، كان لبنه أرق وأكثر مائية وأعون على تليين البطن وأردأ للمعدة. وما كان منه يرتعي الحشيش الجل (4) وأغصان الأشجار الرطبة، كان لبنه أعدل وأقل مائية وأبعد من تليين البطن وأوفق للمعدة. ولذلك صار لبن الماعز أوفق للمعدة من غيره من الألبان، لان أكثر ما يرتعي الماعز الحشيش وأغصان الأشجار الرطبة. وإذ ذلك كذلك، فمن البين أن كل لبن يرتعي حيوانه أغصان الأشجار القابضة أو أوراقها، فإنه مقو للمعدة حابس للبطن. وكل لبن يرتعي حيوانه ورق الأشجار المسهلة، فإنه مضر بالمعدة، لذاع، بعضها مطلق للبطن. ولذلك وجب أن لا يستعمل من اللبن إلا ما كان غذاء حيوانه محمودا، كيلا يستحيل إلى الفساد بسرعة، من قبل أن اللبن إذا كان في ذاته رديئا واستحال في المعدة إلى الفساد، لم يفسد هو فقط، لكن يفسد بفساده كل ما وافاه في المعدة من الأخلاط المحمودة، ويضر بالبدن (5) إضرارا بينا قويا.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن اللبن الردئ ليس أن ما يفسد هو فقط، لكنه يفسد معه كل كيموس حسن. وذكر أنه وقف على ذلك من صبي كان له طير ترضعه، فماتت طيره تلك وأرضعته طير أخرى كان لبنها رديئا جدا، من قبل أن غذاءها كان مذموما، لأنها كانت تغتذي عشب البرية لجوع عرض لبلدتها في زمان الربيع. فامتلأ الصبي قروحا، فاستدل على ذلك من اللبن الذي كان الصبي يشربه. إنه نظر إلى جميع من كان يغتذي بذلك العشب الذي كانت الطير تغتذي به، قد امتلأت أبدانهم قروحا فاسدة. ولذلك صار ما يرتعي الماعز ورق القرظ والبلوط وأغصان شجر السماق، فيصير لبنها مقويا للمعدة حابسا للبطن. وكثيرا ما يرتعي شجر السقمونيا واليتوع فيصير لبنها مضرا بالمعدة مطلقا للبطن.