من لبن اللقاح وأكثر في ذلك من لبن الماعز، وإن كان بين لبن الخيل ولبن الأتن فرقانا بينا، من قبل أن لبن الخيل أسخن وأقرب من طبيعة لبن اللقاح، ولبن الأتن أعدل وأقرب من طبيعة لبن الماعز. ولذلك صار لبن الأتن ألذ طعما وأعذب من لبن الخيل واللقاح جميعا. ومن خاصته أنه للطافته وقلة جبنيته، صار إذا شرب وهو حار وقت يحلب، لم يتجبن في المعدة كما يتجبن لبن الماعز كثيرا، وإن ألقي عليه شئ من عسل وشئ من ملح، لم يتجبن أصلا، حليبا كان أو غير حليب. ولذلك صار ألطف من لبن الماعز وأقرب من لبن النساء في اللطافة فقط، لا في الاعتدال، من قبل أن لبن الماعز أخير غذاء وأقرب من لبن النساء في الاعتدال والتوسط. ولهذا السبب صار لبن الأتن مطلقا للبطن، ملينا لجميع الأعضاء العصبية إذا كان سبب خشونتها الحرارة واليبس. ومن قبل ذلك صار مخصوصا بتسكين البهر (1) والربو والسعال العارض من النوازل الحريفة، ولا سيما إذا شرب من الضرع إن لم تعافه النفس. وهو مع ذلك نافع من قروح الصدر والكلى والمثانة.
فقد بان، مما قدمنا إيضاحه، أن أعدل الألبان وألطفها مزاجا وأحمدها غذاء، ألبان النساء، وبعدها في اللطافة ألبان الأتن. وأما في الاعتدال وجودة الغذاء، فألبان الماعز بعد ألبان النساء. ذلك لاعتدالها وتكافؤ الجواهر الثلاثة فيها. وأما لبن الخيل، فلقربه من لبن اللقاح في اللطافة، صار فيه تلطيفا في فعله، يقوى به على تفتيح أوراد الأرحام وإدرار الطمث متى كان سبب انقطاع الطمث الحرارة واليبوسة. وهذه الخاصة لازمة له دون غيره من الألبان.
وأما اللبن الذي هو غليظ قليلا، فهو المتوسط بين الغليظ جدا وبين المعتدل على الحقيقة، مثل ألبان الضأن المتوسط بين لبن البقر ولبن الماعز، لأنه أقل مائية وأكثر جبنية وسمنية من لبن الماعز، وأقل سمنية وأكثر مائية وجبنية من لبن البقر. ولذلك صار أكثر غذاء من لبن الماعز، وأعون على حبس البطن، وأقوى فعلا في الاسهال وقروح الرئة والكلى والمثانة، وأظهر تأثيرا في الزحير واختلاف الدم والأغراس، إلا أنه دون لبن البقر في كثرة الغذاء وحبس البطن كثيرا، لما فيه من زيادة المائية على لبن البقر.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن لبن البقر أقوى الألبان على حبس البطن، وبخاصة متى نزع زبده وشوي بالحجارة المحماة أو بقطع الحديد المحماة. ودونه في ذلك لبن النعاج.
وقد يقع في الألبان اختلاف كبير من وجوه أربعة: أحدها: مزاج الحيوان الذي هو منه. والثاني:
غذاء الحيوان ومرعاه. والثالث: اختلاف أوقات السنة. والرابع: طراء اللبن وقدمه.
فأما اختلافه من قبل مزاج الحيوان الذي هو منه، فيكون على ضروب ثلاثة: لأنه متى كان من حيوان أعدل مزاجا وأخصب لحما، كان أفضل لأنه يولد دما محمودا وبخاصة متى شرب من الضرع أو