أقول: هذه الأقوال كلها غير قابلة للتصديق، وخالية عن التحقيق، ضرورة أن ما هو النجس في الشرع هو البول والعذرة، سواء تنفر عنه الطباع، أو رغبت فيها النفوس، كما في العراق أحيانا، فليس التنفر علة، بل هو ربما كان نكتة في بدو التشريع.
ثم إن ما هو تحت إرادة الشرع وسلطانه، ليس إلا الأمر والنهي، ولو كان في رواية: " إن الشئ الكذائي نجس " فلا يريد منه إلا انتقال الناس منه إلى ما هو حكم القذر عندهم، من التجنب، فلا يجعل النجاسة لا مستقلا، ولا تبعا، بل هذه الاستعمالات الكثيرة، كلها توسعات لانتقال النفوس والأمة الاسلامية إلى ما هو المقصود الجدي، وهو التجنب، من غير التدخل في أمر خارج عن حكومته وسلطنته.
ومجرد تنفر الطباع التابعة للشريعة المقدسة، بالتلقينات الكثيرة الموروثة عن الآباء والأمهات، لا يكفي لكونها من الجعل، وإلا يكون هو جعلا تكوينيا، كما ليس يخفى.
فهذا المجعول التكويني معلول تلك المجاعيل الاعتبارية، من الأمر والنهي، وقد تقرر منا: أن الأمور الاعتبارية في كل آن وحين، منشأ للمقاصد الواقعية التكوينية (1)، فلا تخلط.
فعلى ما تقرر، النجاسة والطهارة مخصوصتان بالعرف واللغة، ولا يوصفان بالشرع رأسا، حتى يقع النزاع في معناهما بعد تسلم التوصيف، بل