فهما من العناوين الانتزاعية، ومنشأ الانتزاع موافقة الطباع وتنفرها، وربما تختلف الأعصار والأمصار في ذلك، حسب اختلاف الأنام في المعاش والأحكام، كما نجد ذلك واضحا بين أهل النجف والعراق الذي هو عندنا مرحاض الشرق، وبين أهل الغرب، فلا يمكن دعوى أن النجس هو القذر العرفي المتنفرة عنه طباع الناس بنحو العموم والكلي.
فبالجملة: النجاسة العرفية والطهارة والنظافة العرفيتين، ما هي الموافقة للطبع، والمخالفة له المختلفة بحسب الأزمنة والأمكنة، وليستا على هذا أمرين وجوديين إذا لوحظا في ذاتهما، وهما أمران وجوديان إذا لوحظا قياسا إلى منشأ الانتزاع، وهو تنفر الطبع، وملائمة الطبع ومساعدته.
وربما يمكن تصوير الحد الوسط في هذه الملاحظة، وهو ما لا يلزم منه التنفر ولا الالتذاذ، كنوع الأشياء، فإنها لا يطلق عليها " النظيف " حسب مرتكزنا، فإن " النظيف " ما يلتذ منه الطبع، ولا مشاحة في ذلك.
وإطلاقهما على الروحية السالمة والخبيثة، ليس للوضع الأولي، بل هو في الابتداء كان بالتوسع، حتى صار أحيانا مندرجا في الموضوع له. وإذا لاحظناهما بالقياس إلى النفوس البشرية فهما وجوديان أيضا، لأن صفاء النفس ليس عدم تلوثها بالقذارة، فإن صفاء نفس الصبي غير صفاء نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وتوهم: أنهما من الأمور التكوينية في هذه النظرة، في غير محله، كما لا يخفى على الدقيق البصير.
ومن هذه الأساطير، ومن التدبر فيها، تظهر مواقف الاشتباه في كلمات