وقال الطبري: 3 / 367: (فكتب سعيد بن العاص إلى عثمان يخبره بأمرهم فكتب إليه أن سيرهم إلى الشام وألزمهم الدروب...). انتهى.
أقول: تدل هذه الروايات على قوة شخصياتهم ومنطقهم واسترخاصهم لمعاوية وبني أمية، وأنهم كانوا مؤمنين أصحاب ثقافة قرآنية وحديثية عبر عنها معاوية بقوله الجاهلي: (قد أثقلهم الإسلام وأضجرهم، وتمكنت رقى الشيطان من قلوبهم، فقد أفسدوا كثيرا من الناس ممن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم وفجورهم)! ومعنى قول عثمان لابن خالد: ألزمهم الدروب، أي ضعهم في الطرق التي يغير منها الروم على المسلمين، وهي مناطق خطرة، لعلهم يقتلون!
ولهم قصص مع عبد الرحمن بن خالد كقصصهم مع معاوية في التبعيد الأول، مما اضطر الخليفة لإرجاعهم إلى الكوفة! فعادوا وهم أقوى بالتفاف المسلمين حولهم، ثم ذهب وفد الكوفة إلى المدينة برئاسة مالك الأشتر يطالبون عثمان بإصلاح الوضع وتغيير الوالي سعيد بن العاص فلم يستجب لهم، وكان سعيد في المدينة، فرجع مالك قبله إلى العراق: (فسبق سعيدا، وصعد المنبر وسيفه في عنقه ما وضعه بعد، ثم قال: أما بعد فإن عاملكم الذي أنكرتم تعديه وسوء سيرته قد رد عليكم وأمر بتجهيزكم في البعوث! فبايعوني على أن لا يدخلها، فبايعه عشرة آلاف من أهل الكوفة، وخرج راكبا متخفيا يريد المدينة أو مكة، فلقي سعيدا بواقصة فأخبره بالخبر فانصرف إلى المدينة! وكتب الأشتر إلى عثمان: إنا والله ما منعنا عاملك الدخول لنفسد عليك عملك، ولكن لسوء سيرته فينا وشدة عذابه، فابعث إلى عملك من أحببت! فكتب إليهم: أنظروا من كان عاملكم أيام عمر بن الخطاب فولوه فنظروا فإذا هو أبو موسى الأشعري فولوه). (مروج الذهب / 582).