يقصد بالتفقه في الدين طاعته هو، ويزعم أنه كالنبي صلى الله عليه وآله تحركه إرادة إلهية في تقسيم المال وإعطائه ومنعه، فلا يجوز الاعتراض عليه! ويزعم أن الفئة الثابتة على أمر الله هم أتباعه، وأن من خالفه هم الفئة الباغية الضالة! وسيأتي ذلك.
وربما كان أصل القضية أن معاوية سمع أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إنما أنا خازن الله تعالى، والله يعطي وأنا أقسم، فمن أخذ مني شيئا بطيب النفس بورك له فيه، ومن أخذ مني شيئا وأنا له كاره فإنما يتأبطها نارا). (نوادر الأصول للترمذي: 3 / 76) فخطب معاوية في أهل الشام ووصف بيت المال بأنه مال الله تعالى وأنه هو خازن الله عليه، فعندما يعطي ويمنع فالذي يعطي ويمنع هو الله تعالى! فالواجب على المسلمين أن يقبلوا ولا يلوموه على عطائه ومنعه!!
وهو كلام ظاهره الإيمان وباطنه الكفر، لأن النبي صلى الله عليه وآله معصوم من ربه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل عن الهوى. أما معاوية فكله هوى من رأسه إلى قدمه!
إن جبرية معاوية كلها تبدأ من هنا! فقد كان همه كزعيم أموي أن يعطي نفسه صفات محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وآله! وأن يكون خليفة الله المفروض الطاعة على العباد، في مقابل رسول الله صلى الله عليه وآله المفروض الطاعة من ربه!
وتجد جذور هذه الظاهرة في دفاعات عثمان ومن حوله عن تبذير بيت مال المسلمين، فكان الخليفة يقيس نفسه بالنبي صلى الله عليه وآله! بل تجدها قبل عثمان في تبرير تصرفات عمر وأبي بكر! لكن معاوية تبناها بقوة، وجعل (خلافته) قائمة عليها ونسب تصرفاته إلى الله تعالى! ونشر ذلك بين المسلمين كعقيدة دينية!
معاوية يدعي أنه معصوم حتى في سفك الدماء وقتل الأطفال!
قال الثقفي في الغارات: 2 / 639، يصف غارة معاوية على الحجاز واليمن: (فقدم على معاوية (قائده بسر بن أرطاة) فقال: يا أمير المؤمنين أحمد الله، فإني سرت في