وكان يصدر خمور الشام وفلسطين إلى العراق والجزيرة!
كان معاوية في عهد عمر، الأمير البارز على الشام وفلسطين، وفي عهد عثمان أميرا مطلقا، وكان شابا مدللا عند عمر، فلم يضربه بسوطه ولا وبخه، كما فعل مع أكثر عماله، ولا صادر نصف أمواله، كما فعل مع الذين أثروا بالحرام، بل كان ينظر اليه فيعجبه ويقول: هذا كسرى العرب! (فتح الباري: 7 / 311).
ولم تشبع كسراهم واردات الدولة وكنوز الفتح، فكان يتاجر بكل شئ تصل اليه يده حتى بتصدير خمور الشام! وقد اعترض عليه اثنان من كبار الصحابة، هما عبد الرحمن بن سهل الأنصاري، وعبادة بن الصامت، وهو أحد نقباء الأنصار في بيعة العقبة وكان فارسا طويلا جسيما جميلا، شارك في حروب النبي صلى الله عليه وآله كلها، وولي قضاء الشام وفلسطين (سير الذهبي: 2 / 10) وعندما رأى معاوية يتعامل بالربا ويشرب الخمر ويتاجر بها، وقف في وجهه فشكاه معاوية إلى عثمان فعزله عن قضاء فلسطين! لكن عبادة بقي مصرا على رأيه، معلنا أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في معاوية وبني أمية! وقد روى الجميع أخبار عبادة مع معاوية وعثمان واختصرها الذهبي في سيره: 2 / 9، ومنها في تاريخ دمشق: 26 / 197 عن رفاعة: (أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام تحمل الخمر فقال: ما هذه أزيت؟ قيل: لا، بل خمر تباع لفلان! فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها! وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلان (معاوية) إلى أبي هريرة فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت، أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا، فأمسك عنا أخاك! فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال: يا عبادة ما لك ولمعاوية ذره وما حمل، فإن الله يقول: