فأتى عبادة بن الصامت فتعلق به فأتى به معاوية فقال هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر. وقام أبو ذر بالشام وجعل يقول: يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء. بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم! فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء، وحتى شكا الأغنياء ما يلقون من الناس!
فكتب معاوية إلى عثمان إن أبا ذر قد أعضل بي! وقد كان من أمره كيت وكيت! فكتب إليه عثمان إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها، فلم يبق إلا أن تثب فلا تنكأ القرح، وجهز أبا ذر إلي وابعث معه دليلا وزوده وارفق به وكفكف الناس ونفسك ما استطعت، فإنما تمسك ما استمسكت!
فبعث بأبي ذر ومعه دليل، فلما قدم المدينة ورأى المجالس في أصل سلع قال: بشر أهل المدينة بغارة شعواء وحرب مذكار! ودخل على عثمان فقال: يا أبا ذر ما لأهل الشام يشكون ذربك (لسانك)؟ فأخبره أنه لا ينبغي أن يقال مال الله، ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالا! فقال: يا أبا ذر علي أن أقضي ما علي، وآخذ ما على الرعية، ولا أجبرهم على الزهد، وأن أدعوهم إلى الإجتهاد والاقتصاد. قال: فتأذن لي في الخروج، فإن المدينة ليست لي بدار! فقال: أو تستبدل بها إلا شرا منها؟ قال: أمرني رسول الله (ص) أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعا. قال: فانفذ لما أمرك به. قال فخرج حتى نزل الربذة فخط بها مسجدا وأقطعه عثمان صرمة من الإبل وأعطاه مملوكين، وأرسل إليه أن تعاهد المدينة حتى لا ترتد أعرابيا، ففعل). انتهى. ثم سرد الطبري في صفحتين أسباب خلاف أبي ذر مع عثمان التي أوجبت نفيه إلى الشام ثم إلى الربذة، وكلها تدور حول اسم (مال الله) وبعض إنفاقات عثمان! وقال عن الرأي الآخر: (وأما الآخرون فإنهم رووا