ذر رحمه الله وقال: كذبت! والله إنك لتعطي من منعه الله بالكتاب والسنة، وتمنع من أعطاه الله! فقام عبادة بن الصامت ثم أبو الدرداء وقالا: صدق أبو ذر، صدق أبو ذر! فنزل معاوية عن المنبر، وقال: فنعم إذا، فنعم إذا.
وفي رواية: أنه خطب فقال: قال الله تعالى: وإن من شئ إلا عندنا خزائنه، فلا نلام نحن! فقام الأحنف فقال: إنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكن نلومك على ما أنزل الله علينا من خزائنه وأغلقت بابك علينا دونه! وقال شاعر:
إذا أعطى يقتر حين يعطي * وإن لم يعط قال أبى القضاء يبخل ربه سفها وجهلا * ويعذر نفسه فيما يشاء). انتهى.
أقول: معنى قول معاوية بعد اعتراض أبي ذر، وتأييد عبادة وأبي الدرداء له: (فنعم إذا، فنعم إذا) أي صحيح صحيح، سأقبل منكم. ولكنه واصل طوال عمره نشر مذهب الجبر، ونسبة أفعاله إلى الله تعالى، وزعم أنه خليفة الله في أرضه، كما ستعرف! وقد روى جواب الأحنف لمعاوية: السيوطي في الدر المنثور: 5 / 71، والمستطرف / 96، وفي طبعة: 1 / 134، ونهاية الأرب / 1807، ونسب ابن عبد البر البيتين في المجالس / 298، إلى محمود الوراق، وأوردهما ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات / 912، وفي طبعة: 2 / 469، ورواه الراغب في محاضرات الأدباء / 644، وفي طبعة: 1 / 700، تحت عنوان: ذم من ينسب بخل نفسه إلى القدر: خطب معاوية ذات يوم فقال... ورواه الإتليدي في إعلام الناس / 23 وأبو حيان في البصائر والذخائر ص 966، وقال في آخره: (فكأنما ألقمه حجرا).
أما بخاري فغطى على معاوية وروى الحديث مبتورا! قال في صحيحه: 1 / 25: (قال حميد بن عبد الرحمن: سمعت معاوية خطيبا يقول: سمعت النبي (ص) يقول: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله). انتهى.
والحديث كما رأيت جزء من خطبة معاوية، ولو روى بقيتها لظهر أن معاوية