بعد إعلانه إسلامه، بل هو مقتضى تحرقهم وتأسفهم على أن وقت قتل أبي سفيان قد فات! فلو كان قبل إعلان إسلامه لكان تأسفهم بنحو آخر! ولو كان قبل إعلان إسلامه لكان الإشكال على أبي بكر أشد، لدفاعه عنه وإعطائه لقب (سيد البطحاء وشيخ قريش وسيدهم)! وهذه ألقاب كانت لهاشم وعبد المطلب وأبي طالب رضي الله عنهم، وقد صادرها زعماء قريش عندما حاربوا النبي صلى الله عليه وآله! قال في السيرة الحلبية: 1 / 9: (واتفق أنه أصاب الناس سنة جدب شديد فخرج هاشم إلى الشام، وقيل بلغه ذلك وهو بغزة من الشام، فاشترى دقيقا وكعكا، وقدم به مكة في الموسم، فهشم الخبز والكعك ونحر الجزر، وجعله ثريدا وأطعم الناس حتى أشبعهم! فسمى بذلك هاشما، وكان يقال له أبو البطحاء وسيد البطحاء). (وتاريخ الطبري: 2 / 8، وتاريخ اليعقوبي: 1 / 245). كما وصفت المصادر دعاء عبد المطلب رحمه الله عندما أجدب أهل مكة لسنين فاستسقى بالنبي صلى الله عليه وآله! قالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم: (قام فاعتضد ابن ابنه محمدا فرفعه على عاتقه، وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب، ثم قال: اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة، أنت عالم غير معلم، ومسؤول غير مبخل، وهذه عبداؤك وإماؤك بعذارات حرمك، يشكو إليك سنتهم التي أذهبت الخف والظلف، فاسمعن اللهم، وأمطرن علينا غيثا مغدقا مريعا سحا طبقا دراكا. قالت: فورب الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجثجه، وانصرف الناس، فسمعت شيخان قريش وجلتها: عبد الله بن جدعان، وحرب بن أمية، وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئا لك سيد البطحاء)! (وكتاب الدعاء للطبراني / 606، والمعجم الكبير: 24 / 260، ومجمع الزوائد: 2 / 214، و: 8 / 219، وشرح النهج: 7 / 271، وغيرها. ومعنى صفة النبي صلى الله عليه وآله بأنه (قد أيفع أو كرب) أي كان صبيا يافعا قارب البلوغ. ولا بد أن المقصود أنه صلى الله عليه وآله كان يبدو للناظر كذلك وإن كان سنه أصغر من ذلك، لأن عبد المطلب رحمه الله توفي وكان
(١٤٠)